اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

قوله : { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } الذي عملت قبل الشرك ، واعلم أن الظاهر ( أن ){[47684]} قوله «لَئِنْ أَشْرَكْتَ » هذه الجملة هي القائمة مقام الفاعل لأنها هي الموحاة وأصول البصريين تأبى ذلك{[47685]} ، ويقدرون أن القائم مقامه ضمير المصدرلأن الجملة لا تكون فاعلاً عندهم والقائم هنا مقام الفاعل الجار والمجرور وهو «إليكَ » . وقرئ ليُحْبِطنَّ- بضم الياء وكسر الباء- أي الله{[47686]} ولنُحْبطَنًَّ{[47687]} بنون العظمة ( وليُحْبَطَنّ ){[47688]} على البناء للمفعول{[47689]} و «عملك » مفعول به على القراءتين الأوليين ومرفوع على الثالثة لقيامه مقام الفاعل .

قال ابن الخطيب : واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب .

فإن قيل : كيف أوحي إليه وإلى من قبله حال شركه على التعيين ؟ .

فالجواب : تقرير الآية أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله أي أوحي ( إليك ){[47690]} وإلى كل أحد منهم لئن أشركت كما تقول : كَسَانَا حُلّة : أي كل واحد منا{[47691]} .

فإن قيل : كيف صَحَّ هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم ؟ .

فالجواب : أن قوله : «لَئن أشركت ليحبطن عملك » قضية شرطية والقضية الشرطية لا يلزم ( من ){[47692]} صدقها صدق جزئيها ألا ترى أن قولك : لَوْ كَانت الخَمْسة زوجاً لكانت منقسمة بمتساويين قضية صادقة مع أن كل واحد مِنْ جزئيها غير صادق .

قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] . ولم يلزم من هذا صدق القول بأن فيهما آلهة وأنهما قد فسدتا{[47693]} ، قال المفسرون : هذا خطاب مع الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمراد منه غيره ، وقيل : هذا أدب من الله لنبيه وتهديد لغيره ، لأن الله تعالى- عز وجل- عصمه من الشرك{[47694]} ، وقوله : { وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين } قال ابن الخطيب : كما أن طاعات الأنبياء والرسل أفضل من طاعات غيرهم فكذلك القبائح التي تصدر عنهم فإنها بتقدير الصدور تكون أقبح لقوله تعالى : { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات } [ الإسراء : 75 ] فكان المعنى أن الشرك الحاصل منه بتقدير حصوله منه يكون تأثيره في غضب الله تعالى أقوى وأعظم{[47695]} .


[47684]:سقط من ب.
[47685]:نقل ذلك أبو حيان في البحر 7/439 والسمين في الدر 4/663.
[47686]:ذكره أبو حيان في البحر 7/439 والسمين في الدر 4/663.
[47687]:مختصر ابن خالويه 131.
[47688]:سقط من ب.
[47689]:ذكره جار الله في الكشاف 3/407.
[47690]:سقط من ب.
[47691]:تفسير الرازي 27/13. وقد سبقه الكشاف 3/407 وأخذه أبو حيان عنهما 7/439.
[47692]:سقط من ب.
[47693]:وانظر: الرازي 27/13.
[47694]:قاله البغوي في تفسيره معالم التنزيل 6/83.
[47695]:وانظر: الرازي المرجع السابق.