روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (71)

{ وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ زُمَراً } الخ تفصيل للتوفية وبيان لكيفيتها ، والفاء ليس بلازم ، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف وإزعاج وهو الغالب ويشعر بالإهانة وهو المراد هنا أي سيقوا إليها بالعنف والإهانة أفواجاً متفرقة بعضها في أثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة ، والزمر جمع زمرة قال الراغب : هي الجماعة القليلة ، ومنه قيل شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة ، ومنه اشتق الزمر ، والزمارة كناية عن الفاجرة ، وقال بعضهم . اشتقاق الزمرة من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه { حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أبوابها } ليدخلوها وكانت قبل مجيئهم غير مفتوحة فهي كسائر أبواب السجون لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فتفتح ليدخلوها فإذا دخلوها أغلقت عليهم ، و { حتى } هي التي تحكي بعدها الجملة ، والكلام على إذا الواقعة بعدها قد مر في الانعام . وقرأ غير واحد { فُتِحَتْ } بالتشديد { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } على سبيل التقريع والتوبيخ { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ } أي من جنسكم تفهمون ما ينبؤنكم به ويسهل عليكم مراجعتهم .

وقرأ ابن هرمز { تأتكم } بتاء التأنيث ، وقرئ { نَّذْرٍ مّنكُمْ } { يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايات رَبّكُمْ } المنزلة لمصلحتكم { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا } أي وقتكم هذا وهو وقت دخولكم النار لأن المنذر به في الحقيقة العذاب ووقته ، وجوز أن يراد به يوم القيامة والآخرة لاشتماله على هذا الوقت أو على ما يختص بهم من عذابه وأهواله ، ولا ينافيه كونه في ذاته غير مختص بهم ؛ والإضافة لامية تفيد الاختصاص لأنه يكفي للاختصاص ما ذكر ، نعم الأول أظهر فيه . واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل الشرع لأنهم وَبَّخوهم بكفرهم بعد تبليغ الرسل للشرائع وإنذارهم ولو كان قبح الكفر معلوماً بالعقل دون الشرع لقيل . ألم تعلموا بما أودع الله تعالى فيكم من العقل قبح كفركم ، ولا وجه لتفسير الرسل بالعقول لإباء الأفعال المستندة إليها عن ذلك ، نعم هو دليل إقناعي لأنه إنما يتم على اعتبار المفهوم وعموم الذين كفروا وكلاهما محل نزاع ، وقيل في وجه الاستدلال : إن الخطاب للداخلين عموماً يقتضي أنهم جميعاً أنذرهم الرسل ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك . وتعقب بأن للخصم أن لا يسلم العموم ، ولمن قال بوجوب الإيمان عقلاً أن يقول : إنما وبخوهم بالكفر بعد التبليغ لأنه أبعد عن الاعتذار وأحق بالتوبيخ والإنكار { قَالُواْ بلى } قد أتانا رسل منا تلواً علينا آيات ربنا وأنذرونا لقاء يومنا هذا { ولكن حَقَّتْ } أي وجبت { كَلِمَةُ العذاب } أي كلمة الله تعالى المقتضية له { عَلَى الكافرين } والمراد بها الحكم عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل النار لسوء اختيارهم أو قوله تعالى لإبليس : { لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] ووضعوا الكافرين موضع ضميرهم للإيماء إلى علية الكفر ، والكلام اعتراف لا اعتذار .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (71)

لما ذكر تعالى حكمه بين عباده ، الذين جمعهم في خلقه ورزقه وتدبيره ، واجتماعهم في الدنيا ، واجتماعهم في موقف القيامة ، فرقهم تعالى عند جزائهم ، كما افترقوا في الدنيا بالإيمان والكفر ، والتقوى والفجور ، فقال : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ } أي : سوقا عنيفا ، يضربون بالسياط الموجعة ، من الزبانية الغلاظ الشداد ، إلى شر محبس وأفظع موضع ، وهي جهنم التي قد جمعت كل عذاب ، وحضرها كل شقاء ، وزال عنها كل سرور ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } أي : يدفعون إليها دفعا ، وذلك لامتناعهم من دخولها .

ويساقون إليها { زُمَرًا } أي : فرقا متفرقة ، كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها ، وتشاكل سعيها ، يلعن بعضهم بعضا ، ويبرأ بعضهم من بعض . { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } أي : وصلوا إلى ساحتها { فُتِحَتْ } لهم أي : لأجلهم { أَبْوَابُهَا } لقدومهم وقِرًى لنزولهم .

{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } مهنئين لهم بالشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي ، وموبخين لهم على الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } أي : من جنسكم تعرفونهم وتعرفون صدقهم ، وتتمكنون من التلقي عنهم ؟ . { يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } التي أرسلهم اللّه بها ، الدالة على الحق اليقين بأوضح البراهين .

{ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أي : وهذا يوجب عليكم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم ، باستعمال تقواه ، وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال ؟

{ قَالُوا } مقرين بذنبهم ، وأن حجة اللّه قامت عليهم : { بَلَى } قد جاءتنا رسل ربنا بآياته وبيناته ، وبينوا لنا غاية التبيين ، وحذرونا من هذا اليوم . { وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } أي : بسبب كفرهم وجبت عليهم كلمة العذاب ، التي هي لكل من كفر بآيات اللّه ، وجحد ما جاءت به المرسلون ، فاعترفوا بذنبهم وقيام الحجة عليهم .