مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (71)

قوله تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين * قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين } .

اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل القيامة على سبيل الإجمال فقال : { ووفيت كل نفس ما عملت } بين بعده كيفية أحوال أهل العقاب ، ثم كيفية أحوال أهل الثواب وختم السورة .

أما شرح أحوال أهل العقاب فهو المذكور في هذه الآية ، وهو قوله { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا } قال ابن زيدان : سوق الذين كفروا إلى جهنم يكون بالعنف والدفع ، والدليل عليه قوله تعالى : { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا } أي يدفعون دفعا ، نظيره قوله تعالى : { فلذلك الذي يدع اليتيم } أي يدفعه ، ويدل عليه قوله تعالى : { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا } .

وأما الزمر ، فهي الأفواج المتفرقة بعض في أثر بعض ، فبين الله تعالى أنهم يساقون إلى جهنم فإذا جاءوها فتحت أبوابها ، وهذا يدل على أن أبواب جهنم إنما تفتح عند وصول أولئك إليها ، فإذا دخلوا جهنم قال لهم خزنة جهنم { ألم يأتكم رسل منكم } أي من جنسكم { يتلون عليكم ءايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا } فإن قيل فلم أضيف اليوم إليهم ؟ قلنا أراد لقاء وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار ، لا يوم القيامة ، واستعمال لفظ اليوم والأيام في أوقات الشدة مستفيض ، فعند هذا تقول الكفار : بلى قد أتونا وتلوا علينا { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } وفي هذه الآية مسألتان :

المسألة الأولى : تقدير الكلام أنه حقت علينا كلمة العذاب ، ومن حقت عليه كلمة العذاب فكيف يمكنه الخلاص من العذاب ، وهذا صريح في أن السعيد لا ينقلب شقيا ، والشقي لا ينقلب سعيدا ، وكلمات المعتزلة في دفع هذا الكلام معلومة ، وأجوبتنا عنها أيضا معلومة .