اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (71)

قوله : { وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً } لما شرح أحوال أهل القيامة على سبيل الإجمال وقال : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } بين بعده كيفية أحوال العقاب ثم كيفية أحوال الثواب ، فأما شرحُ أحوال العقاب فهو هذه الآية وهذا السَّوْق يكون بالعُنُق والدفع بدليل قوله تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] أي يدفعون دفعا ، وقوله : { وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً }{[47769]} [ مريم : 86 ] .

قوله : { زُمَراً } حال ، و «زُمَرٌ » جمع «زُمْرة » وهي الجماعات في تفرقة بعضها في إثر بعض ، و «تَزَمَّرُوا » تجمعوا قال :

4311- حَتَّى احْزَأَلَّتْ زمُرٌ بَعْدَ زُمَرْ{[47770]} . . .

هذا قول أبي عبيد ( ة ){[47771]} ، والأخفش{[47772]} ، وقال الراغب : الزُّمْرة الجماعة القليلة ، ومنه شاة زمرة أي قليلة الشعر ، ورجل زَمِرٌ أي قليل المروءة ، وزَمَرَت النَّعَامَةُ تَزْمُر زَمَاراً ومنه اشتق الزّمر . والزَّمَّارة كناية عن الفاجرة{[47773]} .

قوله : { حتى إِذَا } تقدم الكلام في «حتى » الداخلة على «إذا » مِرَاراً{[47774]} ، وجواب «إذا » قوله : فتحت . وتقدم خلاف القراء في التشديد والتخفيف في سورة الأنعام{[47775]} .

قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } قرأ ابن هُرْمز أَلَمْ تَأْتِكُمْ بتاء التأنيث لتأنيث الجمع{[47776]} ، و «مِنْكُمْ » صفة «لرسل » أو متعلق بالإتْيان و «يَتْلُونَ » صفة أُخْرى ، و «خَالِدينَ » في الموضعين حال مقدرة .

فصل

بين تعالى أنهم يُسَاقُون إلى جهنم فإذا جاءوها فتحت أبوابُها ، وهذا يدل على أن أبواب جهنم تكون مغلقة قبل ذلك وإنما تفتح عند وصول الكفار إليها فإذا دخلوا جهنم قال لهم خزنةُ جهنم : ألم يأتكم رسل منكم أي من جنسكم يتلون عليكم آياتِ ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا .

فإن قيل : لِمَ أضيفَ اليوم إليهم ؟ .

فالجواب : أراد لقاء وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة واستعمال لفظ اليوم ( إليهم ){[47777]} والأيام في أوقات الشدة مستفيض فعند هذا تقول الكفار «بَلَى » أتونا وتَلَوْا علينا «وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرينَ » أي وجبت كلمة العذاب على الكافرين وهي قوله عزو وجل : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . وهذا صريح في أن السعيد ( لا ينقلب ){[47778]} شقياً والشقي لا ينقلب سعيداً ، ودلت الآية على أنه لا وجوب قبل مجيء{[47779]} الشرع لأن الملائكة بينوا أنهم ما بقي لهم عُذرٌ ولا علة بعد مجيء الأنبياء - عليهم ( الصلاة و ) السلام- ، ( ولو ){[47780]} لم يكن مجيء الأنبياء شرطاً في استحقاق العذاب لما بقي في هذا الكلام فائدةٌ .


[47769]:وانظر: الرازي 27/19 و 20.
[47770]:من الرجز ولم أعرف قائله. وقبله: إن العفاة بالسيوب قد غمر. واحزألت اجتمعت وارتفعت في سيرها يعني الإبل التي تحمل العطايا وهي السيوب. والعفاة جمع عاف وهو طالب المعروف. وجيء بالبيت شاهدا على أن الزمرة بمعنى الجماعة تلو الجماعة. وانظر: القرطبي 15/283 والكشاف 3/410 وشرح شواهده 4/420 والبحر المحيط 7/437 واللسان "زمر" 1861، والمجاز 2/191.
[47771]:انظر المجاز 2/191.
[47772]:كذا قال أبو حيان في البحر 7/426 والسمين في الدر 4/667 ولم أجده في المعاني له ولعله في مرجع آخر من تأليفه.
[47773]:مع اختلاف بسيط في عبارة الراغب في المفردات 215 وانظر أيضا اللسان: "ز م ر" 1861. وقد ذكر ابن منظور في اللسان المرجع السابق كثيرا من هذه المعاني وغيرها فارجع إليها إن أردت.
[47774]:من ذلك قوله [النمل: 85] {حتى إذا جاءوها قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما}. وحتى هذه من أوجهها أن تكون للابتداء كما هنا. وهذا هو قول الجمهور. دخلت على الجملة الفعلية التي فعلها ماض نحو: حتى عفوا، وعارض ابن مالك والأخفش فزعما أن "حتى" جارة و "إذا" في موضع جر بها. والصواب ما عليه الجمهور من أنها حرف ابتداء وأن "إذا" في موضع نصب بشرطها أو جوابها، والجواب محذوف، انظر: اللباب 7/340 والمغني 129.
[47775]:عند قوله : {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} من الآية 44. فالتشديد قراءة ابن عامر وابن كثير ونافع، والتخفيف قراءة عاصم والأخوين حمزة والكسائي والقراءات سبعية متواترة انظرها في السبعة 564 والإتحاف 208 و 377.
[47776]:هذه القراءة شاذة ورويت عن الحسن أيضا وقد ذكرها ابن خالويه في المختصر 132 والسمين في الدر 4/668 وانظر أيضا الإعرابات المتعلقة بتلك الآية في المرجع الأخير السابق وهي قوله "منكم" و "خالدين".
[47777]:سقط من ب.
[47778]:سقط من "ب".
[47779]:في ب النهي بدل مجيء.
[47780]:"لو" سقطت من ب.