روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } لا تطمح بنظرك طموح راغب ولا تدم نظرك { إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ } من زخارف الدنيا وزينتها { أزواجا مّنْهُمْ } أصنافاً من الكفرة اليهود والنصارى والمشركين ، وقيل : رجالاً مع نسائهم ، والنهي قيل له صلى الله عليه وسلم وهو لا يقتضي الملابسة ولا المقاربة ، وقيل : هو لأمته وان كان الخطاب له عليه الصلاة والسلام ، وأيد بما أخرجه ابن جرير . وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه نعم كان صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية شديد الاحتياط فيما تضمنته ، فقد أخرج أبو عبيد . وابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير أنه عليه الصلاة والسلام مر بابل لحي يقال لهم بنو الملوح أو بنو المصطلق قد عنست في أبوالها وأبعارها من السمن فتقنع بثوبه ومر ولم ينظر إليها لقوله تعالى : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } الآية ، ويعد نحو هذا الفعل من باب سد الذرائع . ومنهم من أيد الأول بهذا وبدلالة ظاهر السياق عليه ، وحاصلها مع ما قبل أوتيت النعمة العظمة الت كل نعمة وان عظمت فهي بالنسبة إليها حقيرة فعليك أن تستغنى بذلك ولا ترغب في متاع الدنيا ، وجعل من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " بناء على أن «يتغن » من الغنى المقصور كيستغنى وليس مقصوراً على الممدود ، ويشهد لذلك ما في الحديث الصحيح في الخيل " وأما التي هي له سترلا فرجل ربطها تغنياً وتعففاً " وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه من أوتي القرآن فرأى أن أحد أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً . وقد أخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة ما هو بمعناه ، وقال العراقي : أن الخبر مروى لكن لم أقف على روايته عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في شيء من كتب الحديث .

وحكى بعضهم في سبب نزول الآية أنه وافت من بصرى واذرعات سبع قوافل لقريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البر والطيب والجواهر فقال المسلمون : لو كانت لنا لقتوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله تعالى فنزلت ، فكأنه سبحانه يقول : قد أعطيتكم سبعاً هي خير من سبع قوافل ، وروى هذا عن الحسن بن الفضل . وتعقب بأنه ضعيف أو لا يصح لأن السورة مكية وقريظة والنضير كانوا بالمدينة فكيف يصح أن يقال ذلك وهو كما ترى . نعم روى أنه صلى الله عليه وسلم وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها الخ وهو غير معروف ، وقد قالوا : إنه لم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام ، واستؤنس بخبر النزول على أن النهي معني به سيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام كانلهي في قوله تعالى : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } حيث أنهم لم يؤمنوا ، وكان صلى الله عليه وسلم يود أن يؤمن كل من بعث إليه ويشق عليه عليه الصلاة والسلام لمزيد شفقته بقاء الكفرة على كفرهم ولذلك قيل له : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } وكأن مرجع الجملة الأولى إلى النهي عن الالتفات إلى أموالهم ومرجع هذه الجملة إلى النهي عن الالتفات إليهم ، وليس المعنى لا تحزن عليهم حيث أنهم المتمتعون بذلك فإن التمتع به لا يكون مداراً للحزن عليهم ، وكون المعنى لا تحزن على تمتعهم بذلك فالكلام على حذف مضاف لا يخفى ما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع إليه { واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } كناية عن التواضع لهم والرفق بهم ، وأصل ذلك أن الطائر إذا أراد أن يضم فرخه إليه بسط جناحيه له ، والجناحان من ابن آدم جانباه .

( ومن باب الإشارة ) :{ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } [ الحجر : 88 ] إلى آخره . قال بعضهم في ذلك غار الحق سبحانه عليه عليه الصلاة والسلام أن يستحسن من الكون شيئاً ويعيره طرفه وأراد منه صلى الله عليه وسلم أن تكون أوقاته مصروفة إليه وحالاته موقوفة عليه وأنفاسه النفيسة حبيسة عنده ، وكان صلى الله عليه وسلم كما أراد منه سبحانه ولذلك وقع في المحل الأعلى { مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى } [ النجم : 17 ]