روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (107)

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض } أي قد علمت أيها المخاطب أن الله تعالى له السلطان القاهر ، والاستيلاء الباهر ، المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي إيجاداً وإعداماً ، وأمراً ونهياً حسبما تقتضيه مشيئته ، لا معارض لأمره ، ولا معقب لحكمه ، فمن هذا شأنه كيف يخرج عن قدرته شيء من الأشياء ؟ ! فيكون الكلام على هذا كالدليل لما قبله في إفادة البيان ، فيكون منزلاً منزلة عطف البيان من متبوعه في إفادة الإيضاح ، فلذا ترك العطف وجوّز أن يكون تكريراً للأول وإعادة للاستشهاد على ما ذكر ، وإنما لم تعطف { إن } مع ما في حيزها على ما سبق من مثلها رَوْماً لزيادة التأكيد وإشعاراً باستقلال العلم بكل منهما وكفاية في الوقوف على ما هو المقصود ، وخص السموات والأرض بالملك لأنهما من أعظم المخلوقات الظاهرة ، ولأن كل مخلوق لا يخلو عن أن يكون في إحدى هاتين الجهتين فكان في الاستيلاء عليهما إشارة إلى الاستيلاء على ما اشتملا عليه ، وبدأ سبحانه بالتقرير على وصف القدرة لأنه منشئاً لوصف الاستيلاء والسلطان ، ولم يقل جل شأنه : إن لله ملك الخ قصداً إلى تقوي الحكم بتكرير الإسناد .

{ وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } عطف على الجملة الواقعة خبراً ل ( أن ) داخل معها حيث دخلت ، وفيه إشارة إلى تناول الخطاب فيما قبل للأمة أيضاً ، و{ مِنْ } الثانية صلة فلا تتعلق بشيء ، و{ مِنْ } الأولى : لابتداء الغاية وهي متعلقة بمحذوف وقع حالاً من مدخول { مِنْ } الثانية : وهو في الأصل صفة له فلما قدم انتصب على الحالية وفي «البحر » أنها متعلقة بما تعلق به { لَكُمْ } وهو في موضع الخبر ؛ ويجوز في : ( ما ) أن تكون تميمية وأن تكون حجازية على رأي من يجيز تقدم خبرها إذا كان ظرفاً أو مجروراً والولي المالك ، والنصير المعين ، والفرق بينهما أن المالك قد لا يقدر على النصرة أو قد يقدر ولا يفعل ، والمعين قد يكون مالكاً وقد لا يكون بل يكون أجنبياً والمراد من الآية الاستشهاد على تعلق إرادته تعالى بما ذكر من الإتيان بما هو خير من المنسوخ أو بمثله ، فإن مجرد قدرته تعالى على ذلك لا يستدعي حصوله ألبتة ، وإنما الذي يستدعيه كونه تعالى مع ذلك ولياً نصيراً لهم ، فمن علم أنه تعالى وليه ونصيره لا ولي ولا نصير له سواه يعلم قطعاً أنه لا يفعل به إلا ما هو خير له فيفوض أمره إليه تعالى ، ولا يخطر بباله ريبة في أمر النسخ وغيره أصلاً .

( ومن باب الإشارة ) :{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ } [ البقرة : 107 ] عالم الأرواح وأرض الأجساد وهو المتصرف فيهما بيد قدرته بل العوالم على اختلافها ظاهر شؤون ذاته ومظهر أسمائه وصفاته فلم يبق شيء غيره ينصركم ويليكم