تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (107)

المفردات :

الولي : من يلي أمرك أو يملكك كالمولى .

النصير : المعين .

106

107- ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير( 265 ) . لما ذكر في الآية السابقة أنه تعالى على كل شيء قدير ذكر هنا ما هو كالدليل على ذلك وهو أنه تعالى له ملك السماوات والأرض واستشهد على ذلك بعلم كل ذي علم .

والمعنى : أنه سبحانه مالك لجميع الكائنات العلوية والسفلية وهو سبحانه المتصرف كما يشاء في ذواتها وأحوالها . وأنه سبحانه يتصرف في أمورهم ويجريها على حسب ما يصلحهم ، وهو أعلم بما يتعبدهم به من ناسخ ومنسوخ .

والخطاب هنا للمؤمنين يحمل رائحة التحذير ، ورائحة التذكير بأن الله هو وليهم وناصرهم وليس لهم من دونه ولي ولانصير .

قال ابن كثير :

وقوله تعالى : ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير . يرشد تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء فله الخلق والأمر ، وهو المتصرف . فكما خلقهم كما يشاء ، ليسعد من يشاء ، ويشقى من يشاء ، ويصح من يشاء ويمرض من يشاء ، ويوفق من يشاء ويخذل من يشاء ، كذلك يحكم في عباده بما يشاء ، فيحل ما يشاء ويحرم ما يشاء ويحظر ما يشاء ، وهو الذي يحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ ، فيأمر بالشيء لما فيه من المصلحة التي يعلمها تعالى ، فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره ، واتباع رسله في تصديق ما أخبروا : وامتثال ما أمروا به ، وترك ما عنه زجروا ، وفي هذا المقام رد عظيم ، وبيان بليغ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم لعنهم الله في دعوى استحالة النسخ ، إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا ، وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا . وقال الإمام أبو جعفر الطبري : فتأويل الآية : ألم تعلم يا محمد أن لي ملك السماوات والأرض وسلطانهما دون غيري ، أحكم فيهما وفيما فيهما بما أشاء وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء وأنهى عما أشاء وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي بما أشاء إذا أشاء ، وأقر فيهما ما أشاء .

ثم قال : وهذا الخبر وإن كان من الله تعالى خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم على وجه الخبر عن عظمته ، فإنه منه تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة ، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام .

وعلق ابن كثير على كلام الطبري بقوله :

قلت : الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النسخ إنما هو الكفر والعناد في فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله تعالى ، لأنه يحكم ما يشاء ، كما يفعل ما يريد ، مع أنه قد وقع ذلك في كتبه المتقدمة وشرائعه الماضية ، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ، ثم حرم ذلك ، وكما أباح لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ، ثم نسخ حل بعضها ، وكان نكاح الأختين مباح لإسرائيل وبنيه ، وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها ، وأشياء كثيرة يطول ذكرها ، هم يعترفون بذلك ويصدقون عنه ، أو ما يجاب به عن هذه الأدلة بأجوبة لفظية ، فلا يصرف الدلالة في المعنى ، إذ هو المقصود ، كما في كتبهم مشهورا من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والأمر بإتباعه فإنه يفيد وجوب متابعته عليه السلام وأنه لا يقبل عمل إلا شريعته وسواء قيل : إن الشرائع المتقدمة مغياة إلى بعثته عليه السلام ، فلا يسمى ذلك نسخا ، كقوله : ثم أتموا الصيام إلى الليل . أو قيل إنها مطلقة . وإن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسختها ، فعلى كل تقدير فوجوب متابعته ، لأنه جاء في بكتاب هو آخر الكتب عهدا بالله تبارك وتعالى( 266 ) .