البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (107)

الولي : فعيل للمبالغة ، من ولي الشيء : جاوره ولصق به .

{ ألم تعمل أن الله له ملك السموات والأرض } ؟ هذا أيضاً استفهام دخل على النفي فهو تقرير ، فليس له معادل ، لأن التقرير معناه : الإيجاب ، أي قد علمت أيها المخاطب أن الله له سلطان السموات والأرض والاستيلاء عليهما ، فهو يملك أموركم ويدبرها ، ويجريها على ما يختاره لكم من نسخ وغيره ، وخص السموات والأرض بالملك ، لأنهما من أعظم المخلوقات ، ولأنهما قد اشتملا على جميع المخلوقات .

وإذا كان استيلاؤه على الطرفين ، كان مستولياً على ما اشتملا عليه ، أو لأنه يعبر عن مخلوقاته العلوية بالسموات ، والسفلية بالأرض .

وتضمنت هاتان الجملتان التقرير على الوصفين اللذين بهما كمال التصرف ، وهما : القدرة والاستيلاء ، لأن الشخص قد يكون قادراً ، بمعنى أن له استطاعة على فعل شيء ، لكنه ليس له استيلاء على ذلك الشيء ، فينفذ فيه ما يستطيع أن يفعل .

فإذا اجتمعت الاستطاعة وعدم المانعية ، كمل بذلك التصرف مع الإرادة .

وبدأ بالتقرير على وصف القدرة ، لأنه آكد من وصف الاستيلاء والسلطان .

{ وما لكم من دون الله } : انتقل من ضمير الإفراد في الخطاب إلى ضمير الجماعة ، وناسب الجمع هنا ، لأن المنفي بدخول من عليه صار نصاً في العموم ، فناسب كون المنفي عنه يكون عاماً أيضاً ، كان المعنى : وما لكل فرد منكم فرد فرد .

{ من ولي ولا نصير } : وأتى بصيغة ولي ، وهو فعيل ، للمبالغة ، ولأنه أكثر في الاستعمال ، ولذلك لم يجيء في القرآن وال إلا في سورة الرعد ، لمواخاة الفواصل ، وأتى بنصير على وزن فعيل ، لمناسبة وليّ في كونهما على فعيل ، ولمناسبة أواخر الآي ، ولأنه أبلغ من فاعل .

ومن زائدة في قوله : { من ولي } ، فلا تتعلق بشيء .

ومن : في { من دون الله } متعلقة بما يتعلق به المجرور الذي هو لكم ، وهو يتعلق بمحذوف ، إذ هو في موضع الخبر ، ويجوز في ما هذه أن تكون تميمية ، ويجوز أن تكون حجازية على ذهب من يجيز تقدم خبرها ، إذا كان ظرفاً أو مجروراً .

أما من منع ذلك فلا يجوز في ما أن تكون حجازية ، ومعنى من الأولى ابتداء الغاية .

وتكرر اسم الله ظاهراً في هذه الجمل الثلاث ، ولم يضمر للدلالة على استقلال كل جملة منها ، وأنها لم تجعل مرتبطة بعضها ببعض ارتباط ما يحتاج فيه إلى إضمار .

ولما كانت الجملتان الأوليان للتقرير ، وهو إيجاب من حيث المعنى ، ناسب أن تكون الجملة الثالثة نفياً للولي والناصر ، أي أن الأشياء التي هي تحت قدرة الله وسلطانه واستيلائه ، فالله تعالى لا يحجزه عما يريد بها شيء ، ولا مغالب له تعالى فيما يريد .

/خ113