الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (107)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ } : هذا استفهامٌ معناهُ التقريرُ ، فلذلك لم يَحَتَجْ إلى معادِلٍ يُعْطَفُ عليه ب " أم " .

وأَمْ في قولِه : " أم تُريدون " : منقطعةٌ هذا هو الصحيحُ في الآيةِ . قال ابنُ عطية " ظاهرُه الاستفهامُ المحضُ ، فالمعادِلُ هنا على قولِ جماعةٍ : أَمْ تريدون ، وقال قومٌ : أَمْ منقطعةٌ ، فالمعادِلُ محذوفٌ تقديرُه : أَمْ عَلِمْتُم ، هذا إذا أُريدَ بالخِطابِ أمتُه عليه السلام ، أمَّا إذا أُرِيدَ هو به فالمعادِلُ محذوفٌ لا غيرُ ، وكِلا القَوْلَين مَرْوِيُّ " انتهى . وهذا غيرُ مَرْضِيٍّ لِما مَرَّ أَنَّ المرادَ بِه التقريرُ ، فهو كقولِه : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر : 36 ] { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }

[ الانشراح : 1 ]والاستفهامُ بمعنى التقريرِ كثيرٌ جداً لا سيما إذا دَخَلَ على نفيٍ كما مَثَّلْتُه لك .

وفي قولِه : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ } التفاتان ، أحدُهما : خروجٌ من خطاب جماعةٍ وهو { خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ، والثاني : خروجٌ من ضميرِ المتكلِّم المعظِّمِ نفسَه إلى الغَيْبَةِ بالاسمِ الظاهر ، فلم يقل : ألم تعلموا أننا ، وذلكَ لِما يَخْفَى من التعظيمِ والتفخيم . { أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } : أَنَّ وما في حَيِّزِها : إمَّا سادةٌ مسدَّ مفعولَيْنِ كما هو مذهبُ الجمهورِ ، أو واحدٍ والثاني محذوفٌ كما هو مذهبُ الأخفشِ حَسْبَ ما تقدَّم من الخلافِ .

قوله تعالى : { لَهُ مُلْكُ } . . . يجوزُ في " مُلْك " وجهان ، أحدُهما أنَّه مبتدأٌ وخبرُه مُقَدَّمِ عليه ، والجملةُ في محلَّ رفعٍ خبرٌ ل " أنَّ " . والثاني : أنه مرفوعٌ بالفاعليةِ ، رَفَعَه الجارُّ قبله عند الأخفش ، لا يقال : إنَّ الجارَّ هنا قد اعتمد لوقوعِه خبراً ل " أَنَّ " ، فيرفعُ الفاعلَ / عند الجميع ، لأنَّ الفائدة لم تتمَّ به فلا يُجْعَلُ خبراً . والمُلْكُ بالضمِّ الشيءُ المَمْلوك ، وكذلك هو بالكسرِ ، إلا أنَّ المضمومَ لا يُسْتَعْمَل إلا في مواضِع السَّعَةِ وبَسْطِ السُّلْطانِ .

قوله : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ } يجوزُ في " ما " وجهان ، أحدُهما : كونُهما تميميَّةً فلا عَمَلَ لها فيكونُ " لكم " خبراً مقدماً ، و " مِنْ وليّ " مبتدأً مؤخراً زيدت فيه " مِنْ " فلا تعلُّقَ لها بشيءٍ . والثاني : أن تكونَ حجازيةً وذلك عند مَنْ يُجيز تقديمَ خبرِها ظرفاً أو حرفَ جرٍّ ، فيكونُ " لكم " في محلِّ نصبٍ خبراً مقدَّماً ، و " مِنْ وليّ " اسمها مؤخراً ، و " مِنْ " فيه زائدةٌ أيضاً ، و { مِّن دُونِ اللَّهِ } فيه وجهان ، أحدُهما أنَّه متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به " لكم " من الاستقرارِ المقدَّرِ ، و " مِنْ " لابتداءِ الغاية . والثاني : أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحالِ من قوله : { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } لأنَّه في الأصلِ صفةٌ للنكرةِ ، فلمَّا قُدِّم عليها انتصَبَ حالاً ، قاله أبو البقاء . فعلى هذا يتعلَّقُ بمحذوفٍ غيرِ الذين تعلَّق به " لكم " . ولا نصير " عطفٌ على لفظِ " ولي " ولو قرئ برفعِهِ على الموضِع لكان جائزاً . وأتى بصيغة فَعيل في " وليَّ " و " نَصير " لأنها أَبْلَغُ من فاعل ، ولأنَّ " وليَّاً " أكثرُ استعمالاً من " والٍ " ولهذا لم يَجِيءْ في القرآن إلا في سورةِ الرعدِ ، وأيضاً لتواخي الفواصلِ وأواخرِ الآي . وفي قولِه " لكم " انتقالٌ من خطابِ الواحدِ لخطابِ الجماعةِ ، وفيه مناسَبَةٌ ، وهو أنَّ المنفيَّ صار نَصَّاً في العمومِ بزيادةِ " مِنْ " فناسَبَ كونَ المَنْفِيِّ عنه كذلكَ فجُمِعَ لذلك .