روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَئِن قُتِلۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحۡمَةٌ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (157)

{ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ } أيها المؤمنون { في سَبِيلِ الله } أي في الجهاد { أَوْ مُتُّمْ } حتف الأنف وأنتم متلبسون به فعلاً أو نية .

{ لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } أي الكفار من منافع الدنيا ولذاتها مدة أعمارهم وهذا ترغيب للمؤمنين في الجهاد وأنه مما يجب أن يتنافس فيه المتنافسون ، وفيه تعزية لهم وتسلية مما أصابهم في سبيل الله تعالى إثر إبطال ما عسى أن يثبطهم عن إعلاء كلمة الله تعالى ، واللام الأولى : هي موطئة للقسم ، والثانية : واقعة في جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ووفائه بمعناه ومغفرة مبتدأ و { مِنْ } متعلقة بمحذوف وقع صفة لها ووصفت بذلك إظهاراً للاعتناء بها ، ورمزاً إلى تحقق وقوعها ، وذهب غير واحد إلى تقدير صفة أخرى أي لمغفرة لكم من الله ، وحذفت صفة { رَحْمَةً } لدلالة المذكور عليها والتنوين فيهما للتقليل ولا ينافي ذلك ما يشير إليه الوصف ، وثبوت أصل الخيرية لما يجمعه الكفار كما يقتضيه أفعل التفضيل إما بناءاً على أن الذي يجمعونه في الدنيا قد يكون من الحلال الذي يعد خيراً في نفس الأمر ، وإما أن ذلك وارد على حسب قولهم ومعتقدهم أن تلك الأموال خير ، وجوز في ما أن تكون موصولة ، أو نكرة موصوفة والعائد محذوف ، أو مصدرية ويكون المفعول حينئذٍ محذوفاً أي من جمعهم المال ، وقرأ نافع وأهل الكوفة غير عاصم { مّتُّمْ } بالكسر ووافقهم حفص في سائر المواضع إلا ههنا ، وقرأ الباقون بضم الميم وهو على الأول : من مات يمات مثل خفتم من خاف يخاف ، وعلى الثاني : من مات يموت مثل كنتم من كان يكون ، وقرأ حفص عن عاصم { يَجْمَعُونَ } بالياء على صيغة الغيبة ، وقرأ الباقون تجمعون بالتاء على صيغة الخطاب والضمير للمؤمنين ، وقدم القتل على الموت لأنه أكثر ثواباً وأعظم عند الله تعالى ، فترتب المغفرة والرحمة عليه أقوى وعكس

في قوله سبحانه : { ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون } .

( هذا ومن باب الإشارة ) : في الآيات { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ الله } بسيف المحبة { أَوْ مُتُّمْ } بالموت الاختباري { لَمَغْفِرَةٌ } أي ستر لوجودكم { مّنَ الله وَرَحْمَةٌ } منه تعالى بتحليكم بصفاته عز وجل { خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } [ آل عمران : 157 ] أي أهل الكثرة .