روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱسۡتَجِيبُواْ لِرَبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۚ مَا لَكُم مِّن مَّلۡجَإٖ يَوۡمَئِذٖ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٖ} (47)

{ استجيبوا لِرَبّكُمْ } إذا دعاكم لما به النجاة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله } الجار والمجرور أما متعلق بمرد ويعامل اسم لا الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه كما نص عليه ابن مالك في «التسهيل » ؛ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " لا مانع لما أعطيت " وقوله تعالى : { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ اليوم } [ يوسف : 92 ] أي لا يرده الله تعالى بعدما حكم به .

ومن لم يرض بذلك قال : هو خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك من الله تعالى ، والجملة استئناف في جواب سؤال مقدر تقديره ممن ذلك ؟ أو حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع خبر لا أو متعلق بالنفي أو بما دل عليه كما قيل في قوله تعالى : { مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ } [ القلم : 2 ] وقيل : هو متعلق بيأتي ، وتعقب بأنه خلاف المتبادر من اللفظ والمعنى ، وقيل : هو مع ذلك قليل الفائدة ، وجوز كونه صفة ليوم ، وتعقب بأنه ركيك معنى ، والظاهر أن المراد بذلك اليوم يوم القيامة لا يوم ورود الموت كما قيل : { مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ } أي ملاذ تلتجئون إليه فتخلصون من العذاب على أن { مَلْجَأَ } اسم مكان ، ويجوز أن يكون مصدراً ميمياً { وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ } إنكار على أنه مصدر أنكر على غير القياس ونفي ذلك مع قوله تعالى حكاية عنهم : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] تنزيلاً لما يقع من إنكارهم منزلة العدم لعدم نفعه وقيام الحجة وشهادة الجوارح عليهم أو يقال أن الأمرين باعتبار تعدد الأحوال والمواقف ، وجوز أن يكون { نَكِيرِ } اسم فاعل للمبالغة أي ما لكم منكر لأحوالكم غير مميز لها ليرحمكم وهو كما ترى .

ومما قاله أرباب الإشارات في بعض الآيات : { استجيبوا لِرَبّكُمْ } [ الشورى : 47 ] الاستجابة للعوام بالوفاء بعهده تعالى والقيام بحقه سبحانه والرجوع عن مخالفته جل شأنه إلى موافقته عز وجل ، وللخواص بالاستسلام للأحكام الأزلية والإعراض عن الدنيا وزينتها وشهواتها ، ولأخص الخواص من أهل المحبة بصدق الطلب بالإعراض عن الدارين والتوجه لحضرة الجلال ببذل الوجود في نيل الوصول والوصال