روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدٖۖ وَإِن وَجَدۡنَآ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَٰسِقِينَ} (102)

{ وَمَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم } أي أكثر الأمم المذكورين ، ووجد متعدية لواحد واللام متعلقة بها كما في قولك : ما وجدت لزيد مالا أي ما صادفت له مالا ولا لقيته أو بمحذوف كما قال أبو البقاء وقع حالا من قوله تعالى : { مَّنْ عاهد } لأنه في الأصل صفة للنكرة فلما قدمت عليها انتصبت حالا ومن مزيدة للاستغراق وجوز أن تكون وجد علمية والأول أظهر ، والكلام على تقدير مضاف أي ما وجدنا وفاء عهد كائن لأكثرهم فإنهم نقضوا ما عاهدوا عليه الله تعالى عند مساس البأساء والضراء قائلين { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين } [ يونس : 22 ] وإلى هذا ذهب قتادة وتخصيص هذا الشأن بأكثرهم ليس لأن بعضهم كانوا يوفون بالعهد بل لأن بعضهم كانوا لا يعهدون ولا يوفون ، وقيل : المراد بالعهد ما وقع يوم أخد الميثاق ، وروي ذلك عن أبي بن كعب . وأبي العالية ، وقيل : المراد به ما عهد الله تعالى إليهم من الإيمان والتقوى بنصب الدلائل والحجج وإنزال الآيات ، وفسره ابن مسعود بالإيمان كما في قوله تعالى : { اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } [ مريم : 78 ] ، وقيل : هو بمعنى البقاء أي ما وجدنا لهم بقاء على فطرتهم ، والمراد بالأكثر في الكل الكل ، وذهب كثير من الناس إلى أن ضمير أكثرهم للناس وهو معلوم لشهرته ، والجملة إلى فاسقين اعتراض لأنه لا اختصاص له بما قبله لكن لعمومه يؤكده . وعلى الأول تتميم على ما نص عليه الطيبي وغيره { وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ } أي أكثر الأمم أو أكثر الناس أي علمناهم كقولك : وجدت زيداً فاضلاً وبين وجد هذه ووجد السابق على المعنى الأول فيه الجناس التام المماثل و { ءانٍ } مخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف ولا عمل لها فيه لأنها ملغاة على المشهور ، وتعين تفسير وجد بعلم الناصبة للمبتدأ والخبر لدخولها عليهما ، فقد صرح الجمهور أنها لا تدخل إلا على المبتدأ أو على الأفعال الناسخة وخالف في ذلك الأخفش فلا يرى ذلك .

وجوز دخولها على غيرهما ، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية ، واللام في قوله سبحانه : { لفاسقين } اللام الفارقة وعند الكوفيين أن إن نافية واللام بمعنى إلا أي ما وجدنا أكثرهم الا خارجين عن الطاعة ويدخل في ذلك نقض العهد ، وذكر الطيبي أنه إذا فسر الفاسقون بالناكثين يكون في الآية الطرد والعكس ، وهو أن يؤتي بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس ، وهو كقوله تعالى : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم } إلى قوله سبحانه : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } [ النور : 58 ] فمنطوق الأمر بالاستئذان في الأوقات الثلاثة خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس ، وكذا قوله تعالى : { لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] وهذا النوع من الأطناب يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك .