{ أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الارض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا } أي يخلفون من خلا قبلهم من الأمم ، والمراد بهم كما روي عن السدى المشركون وفسروا بأهل مكة ومن حولها ، وعليه لا يبعد أن يكون في الآية إقامة الظاهر مقام الضمير إذا كان المراد بأهل القرى سابقاً أهل مكة وما حولها ، وتعدية فعل الهداية باللام لأنها كما روي عن ابن عباس . ومجاهد بمعنى التبيين وهو على ما قيل : إما بطريق المجاز أو التضمين أو لتنزيله منزلة اللازم كأنه قيل : أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم { أَن لَّوْ نَشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ } أي بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم ، وإذا ضمن اصبنا معنى أهلكنا لا يحتاج إلى تقدير مضاف . وأن مخففة من الثقيلة وسمها ضمير شأن مقدر وخبره الجملة الشرطية والمصدر المؤول فاعل { يَهْدِ } ومفعوله على احتمال التضمين محذوف أي أو لم يتبين لهم مآل أمرهم أو نحو ذلك . وجوز أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى وأن يكون ضميراً عائداً على ما يفهم مما قبل ، أي أو لم يهد لهم ما جرى على الأمم السابقة . وقرأ عبد الرحمن السلمي . وقتادة ، وروي عن مجاهد . ويعقوب { *نهد } بالنون فالمصدر حينئذ مفعول ، ومن الناس من خص اعتبار التضمين أو المجاز بهذه القراءة واعتبار التنزيل منزلة اللازم بقراءة الياء ، وفيه بحث ، وقوله تعالى : { وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ } جملة معترضة تذييلية أي ونحن من شأننا وسنتنا أن نطبع على قلب من لم نرد منه الأيمان حتى لا يتعظ بأحوال من قبله ولا يلتفت إلى الأدلة ، ومن أراد من أهل القرى فيما تقدم أهل مكة جعله تأكيداً لما نعى عليهم من الغرة والأمن والخسران أي ونحن نطبع على قلوبهم فلذلك اقتفوا آثار من قبلهم ولم يعتبروا بالآيات وأمنوا من البيات لمستخلفيهم حذو النعل بالنعل . وجوز عطفه على مقدر دل عليه قوله تعالى : { أَوَ لَمْ يَهْدِ } وعطفه عليه أيضاً وهو وإن كان إنشاء إلا أن المقصود منه الأخبار بغفلتهم وعدم اهتدائهم أي لا يهتدون أو يغفلون عن الهداية أو عن التأمل والتفكر ونطبع الخ .
وجوز أن يكون عطفا على يرثون ، واعترض بأنه صلة والمعطوف على الصلة صلة ففيه الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي وهو { أَن لَّوْ نَشَاء } سواء كانت فاعلاً أو مفعولاً ، ونقل أبو حيان عن الأنباري أنه قال : يجوز أن يكون معطوفاً على { أصبنا } إذا كان بمعنى نصيب فوضع الماضي موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال كما في قوله تعالى : { تَبَارَكَ الذى إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مّن ذلك } [ الفرقان : 10 ] أي إن يشأ ، يدل عليه { وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } [ الفرقان : 10 ] فجعل لو شرطية بمعنى إن ولم يجعلها التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره وجعل أصبنا بمعنى نصيب ، وقد يرتكب التأويل في جانب المعطوف فيؤول { نَطْبَعُ } بطبعنا ، ورد الزمخشري هذا العطف بأنه لا يساعد عليه المعنى لأن القوم كانوا مطبوعاً على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها وذلك يؤدي إلى خلوهم عن هذه الصفة وأن الله تعالى لو شاء لاتصفوا بها ، وتعقبه ابن المنير بأنه لا يلزم أن يكون المخاطبون موصوفين بالطبع ولا بد وهم وإن كانوا كفاراً ومقترفين للذنوب فليس الطبع من لوازم الاقتراف البتة إذ هو التمادي على الكفر والإصرار والغلو في التصميم حتى يكون الموصوف به مأيوساً من قبوله للحق ولا يلزم أن يكون كل كافر بهذه المثابة بلى إن الكافر يهدد لتماديه على الكفر بأن يطبع الله تعالى على قلبه فلا يؤمن أبدا وهو مقتضى العطف على { *أصبنا } فتكون الآية قد هددتهم بأمرين الإصابة بذنوبهم والطبع على قلوبهم والثاني أشد من الأول وهو أيضاً نوع من الإصابة بالذنوب والعقوبة عليها ولكنه أنكى أنواع العذاب وأبلغ صنوف العقاب ، وكثيراً ما يعاقب الله تعالى على الذنب بالإيقاع في ذنب أكبر منه ، وعلى الكفر بزيادة التصميم عليه والغلو فيه كما قال سبحانه :
{ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] كما زادت المؤمنين إيماناً إلى إيمانهم وهذا النوع من الثواب والعقاب مناسب لما كان سبباً فيه وجزاء عليه فثواب الإيمان إيمان وثواب الكفر كفر ، وإنما الزمخشري يحاذر من هذا الوجه دخول الطبع في مشيئة الله تعالى وذلك عنده محال لأنه بزعمه فبيح والله سبحانه عنه متعال ، وفي التقريب نحو ذلك فإنه نظر فيما ذكره الزمخشري بأن المذكور كونهم مذنبين دون الطبع وأيضاً جاز أن يراد لو شئنا زدنا في طبعهم أو لأمناه ، والحق كما قال غير واحد من المحققين أن منعه من هذا العطف ليس بناء على أنه لا يوافق رأيه فقط بل لأن النظم لا يقتضيه فإن قوله سبحانه { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي سماع تفهم واعتبار يدل على أنهم مطبوع على قلوبهم لأن المراد استمرار هذه الحال لا أنه داخل في حكم المشيئة لأن عدم السماع كان حاصلاً ولو كان كذلك لوجب أن يكون منفياً ، وأيضاً التحقيق لا يناسب الغرض ، و { كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين } [ الأعراف : 101 ] ظاهر الدلالة على أن الوارثين والموروثين كل من أهل الطبع وكذا قوله سبحانه : { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } [ الأعراف : 101 ] يدل على أن حالهم منافية للإيمان وأنه لا يجىء منه البتة وأيضاً إدامة الطبع أو زيادته لا يصلح عقوبة للكافرين بل قد يكون عقوبة ذنب المؤمن كما ورد في الصحيح وما يورد من الدغدغة على هذا مما لا يلتفت إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.