روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

{ ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } أي حاربتم جماعة من الكفرة ولم يصفها سبحانه لظهور أن المؤمنين لا يحاربون إلا الكفار ، وقيل : ليشمل بإطلاقه البغاة ولا ينافيه خصوص سبب النزول ، ومنهم من زعم أن الانقطاع معتبر في معنى الفئة لأنها من فأوت أي قطعت والمنقطع عن المؤمنين إما كفار أو بغاة ، وبنى على ذلك أنه لا ينبغي أن يقال : لم توصف لظهور الخ وليس بشيء كما لا يخفى ، واللقاء قد غلب في القتال كالنزال . وتصدير الخطاب بحرفي النداء والتنبيه إظهاراً لكمال الاعتناء بمضمون ما بعده { فاثبتوا } للقائهم { وَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ والظاهر أن المراد إلا وأو على ما مر { واذكروا الله كَثِيراً } أي في تضاعيف القتال ، وفسر بعضهم هذا الذكر بالتكبير ، وبعضهم بالدعاء ورووا أدعية كثيرة في القتال منها اللهم أنت ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك فاقتلهم واهزمهم ، وقيل : المراد بذكره سبحانه إخطاره بالقلب وتوقع نصره ، وقيل : المراد اذكروا ما وعدكم الله تعالى من النصر على الأعداء في الدنيا والثواب في الآخرة ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي تفوزون بمرامكم من النصر والمثوبة ، والأولى حمل الذكر على ما يعم التكبير والدعاء وغير ذلك من أنواع الذكر ، وفي الآية تنبيه على أن العبد ينبغي أنه لا يشغله شيء عن ذكر مولاه سبحانه ، وذكره جل شأنه في مثل ذلك الموطن من أقوى أدلة محبته جل شأنه ، ألا ترى من أحب مخلوقاً مثله كيف يقول :

ولقد ذكرتك والرماح نواهل *** مني وبيض الهند تشرب من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها *** برقت كبارق ثغرك المتبسم