فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة } اللقاء الحرب والفئة الجماعة ولا واحد لها من لفظها ويجمع على فئات ، وقد تجمع بالواو والنون جبرا لما نقص منها أي إذا حاربتم جماعة من المشركين { فاثبتوا } لهم ولا تجبنوا عنهم ، وهذا لا ينافي الرخصة المتقدمة في قوله : { إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة } فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة ، والرخصة هي في حال الضرورة ، وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرف أو التحيز .

{ واذكروا الله كثيرا } عند جزع قلوبكم فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد ، وقيل المعنى اثبتوا بقلوبكم واذكروا بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان ، فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان .

قيل وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت { ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } .

وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التي ترجف فيها القلوب ، وتزيغ عندها البصائر .

قال قتادة : افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اثنتان لا يردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا{[845]} ، وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الصوت عند القتال{[846]} .

{ لعلكم تفلحون } أي كونوا على رجاء الفلاح والنصر والظفر


[845]:- المستدرك كتاب الجهاد 2/132.
[846]:- المستدرك كتاب الجهاد 2/ 116.