فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

قوله : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } اللقاء . الحرب ، والفئة : الجماعة ، أي إذا حاربتم جماعة من المشركين { فاثبتوا } لهم ولا تجبنوا عنهم ، وهذا لا ينافي الرخصة المتقدّمة في قوله : { إِلاَّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إلى فِئَةٍ } فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة ، والرخصة هي في حال الضرورة . وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرّف والتحيز { واذكروا الله } أي : اذكروا الله عند جزع قلوبكم ، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد ؛ وقيل المعنى : اثبتوا بقلوبكم واذكروا بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان ، فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان . قيل وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين } . وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال ، حتى في هذه الحالة التي ترجف فيها القلوب ، وتزيغ عندها البصائر .

/خ49