الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

هذا تعريف من الله جلّ ثناؤه أهل الإيمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم، ثم يقول جلّ ثناؤه لهم:"يا أيها الذين آمنوا"، صدّقوا الله ورسوله "إذا لقيتم "جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال، "فاثبتوا "لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم "وَاذْكُرُوا الله كَثيرا" يقول: وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره. "لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ" يقول: كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم، ويرزقكم الله النصر والظفر عليهم...عن قتادة:... افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف...

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

... المراد بالفئة ههنا جماعة من الكفار، فأمرهم بالثبات لهم وقتالهم؛ وهو في معنى قوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفَاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} الآية وقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا الله كَثِيراً} يحتمل وجهين، أحدهما: ذكر الله تعالى باللسان، والآخر: الذكر بالقلب؛ وذلك على وجهين، أحدهما: ذكر ثواب الصبر على الثبات لجهاد أعداء الله المشركين وذكر عقاب الفرار، والثاني: ذكر دلائله ونِعَمِهِ على عباده وما يستحقه عليهم من القيام بفرضه في جهاد أعدائه وضُرُوبُ هذه الأذكار كلّها تُعِينُ على الصبر والثبات ويُسْتَدْعَى بها النصر من الله والجرأة على العدو والاستهانة بهم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والثبوت: حصول الشيء في المكان على استمرار... والذكر: ضد السهو،... والفئة المذكورة في الآية وان كانت مطلقة، فالمراد بها المشركة أو الباغية،...لأن الله لا يأمر المؤمنين بالثبوت لقتال أحد إلا من هو بهذه الصفة، ولا يأمر بقتال المؤمنين.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

والثباتُ إنما يكون بقوة القلب وشدة اليقين، ولا يكون ذلك إلا لنفاذ البصيرة، والتحقق بالله، وشهود الحادثات كلها مِنْهُ، فعند ذلك يستسلم لله، ويرضى بحكمه، ويتوقع منه حُسْنَ الإعانة، ولهذا أحالَهم على الذكر فقال: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا}. ويقال إنَّ جميعَ الخيراتِ في ثبات القلب، وبه تَبِينُ أقدارُ الرجالِ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إذا لَقِيتُمْ فِئَةً} إذا حاربتم جماعة من الكفار، وترك أن يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار. واللقاء اسم للقتال غالب {فاثبتوا} لقتالهم ولا تفرّوا {واذكروا الله كَثِيراً} في مواطن الحرب مستظهرين بذكره، مستنصرين به، داعين له على عدوكم: اللهم اخذلهم، اللهم اقطع دابرهم {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة. وفيه إشعار بأنّ على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلباً وأكثر ما يكون هما، وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك وإن كانت متوزعة عن غيره...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا»... وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}:

ظَاهِرٌ فِي اللِّقَاءِ، ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ، مُجْمَلٌ فِي الْفِئَتَيْنِ الَّتِي تُلْقَى مِنَّا وَاَلَّتِي تَكُونُ من مُخَالِفِينَا، بَيَّنَ هَذَا الْإِجْمَالَ الَّتِي بَعْدَهَا فِي تَعْدِيدِ الْمُقَاتِلِينَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ هَاهُنَا بِالثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِهِمْ، كَمَا نَهَى فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا عَنْ الْفِرَارِ عَنْهُمْ؛ فَالْتَقَى الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَلَى شَفَا من الْحُكْمِ بِالْوُقُوفِ لِلْعَدُوِّ وَالتَّجَلُّدِ لَهُ...

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ}:

فِيهِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ:

الْأَوَّلُ: اُذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ جَزَعِ قُلُوبِكُمْ؛ فَإِنَّ ذِكْرَهُ يُثَبِّتُ.

الثَّانِي: اُثْبُتُوا بِقُلُوبِكُمْ وَاذْكُرُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ قَدْ يَسْكُنُ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَيَضْطَرِبُ اللِّسَانُ؛ فَأَمَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْقَلْبُ عَلَى الْيَقِينِ، وَيَثْبُتَ اللِّسَانُ عَلَى الذِّكْرِ.

الثَّالِثُ: اُذْكُرُوا مَا عِنْدَكُمْ من وَعْدِ اللَّهِ [لَكُمْ] فِي ابْتِيَاعِهِ أَنْفُسَكُمْ مِنْكُمْ وَمُثَامَنَتِهِ لَكُمْ.

وَكُلُّهَا مُرَادٌ، وَأَقْوَاهَا أَوْسَطُهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ، وَنَفَاذِ الْقَرِيحَةِ، وَاتِّقَادِ الْبَصِيرَةِ، وَهِيَ الشُّجَاعَةُ الْمَحْمُودَةُ فِي النَّاسِ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

هذه الآية توجب الثبات في الجملة، والمراد من الثبات الجد في المحاربة. وآية التحرف والتحيز لا تقدح في حصول الثبات في المحاربة بل كان الثبات في هذا المقصود، لا يحصل إلا بذلك التحرف والتحيز.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن أبي أوفى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: "يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم، مُنزل الكتاب، ومُجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم "وفي الحديث الآخر المرفوع يقول الله تعالى:"إن عبدي كلَّ عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه أي: لا يشغله ذلك الحال عن ذكرى ودعائي واستعانتي.

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

هذا أَمْرٌ من اللَّه سبحانه بما فيه داعيةُ النَّصْر، وسبَبُ العزِّ، وهي وصيَّة منه سبحانه بِحَسَبِ التقْييد الذي في آية الضَّعْفِ ثم أمر سبحانه بإِكثار ذكْره هنالك؛ إِذ هو عصمةُ المستنجد، وَوَزَرُ المستعين وسُئِلَ الشيخُ أبو عَمْرِو بْنُ الصَّلاَحِ، عن القَدْرِ الذي يصيرُ به المرء من الذَّاكرين اللَّهَ كثيراً، فقال: إِذا واظب على الأَذْكَارِ المأثورة المُثْبَتَةِ صباحاً ومساءً، وفي الأوقاتِ والأحوال المختلفة؛ ليلاً ونهاراً قال النَّوويُّ: كان من الذاكرين اللَّه كثيراً؛ واللَّه سبحانه أعلم

وإِذا كان العبد مُسْتَهْتِراً بِذِكْرِ مولاه، أَنِسَ به، وأَحبَّه، وأحبَّ لقاءه؛ فلم يبال بلقاءِ العَدُوِّ، وإِن هي إِلا إِحدى الحسنيين: إِما النصْرُ؛ وهو الأغلب لمن هذه صفته، أو الشهادةُ؛ وذلك مناه، ومطلبه. انتهى.

وأَحْسَنُ من هذا جوابُهُ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ: (سَبَقَ المُفرِّدُون قَالُوا: «وَمَا المُفَرِّدُونَ، يا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً والذَّاكِرَاتُ)، رواه مسلمٌ، والترمذيُّ، وعنده: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا المُفَرِّدُونَ؟ قَالَ: (المُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ؛ يَضَعُ عَنْهُمُ الذِّكْرُ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً) قال صاحب «سلاح المؤمن»: المستَهْتَرُونَ في ذكْر اللَّهِ، هو بفتح التاءَيْنِ المُثَنَّاتَيْنِ يعني: الذي أُولِعُوا به؛ يقال: استهتر فُلانٌ بكذا، أي: أَولِعَ به، واللَّه أعلم.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا} هو النداء الإلهي السادس للمؤمنين في هذه السورة وهو في إرشادهم إلى القوة المعنوية للمقاتلين التي هي السبب الغالب للنصر والظفر، والفئة الجماعة وغلبت في جماعة المقاتلين والحماة الناصرين، ولم يستعمل في التنزيل إلا بهذا المعنى حتى قوله تعالى في سورة النساء {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] فإن المختلفين في شأنهم منهم من كان يقول بوجوب قتالهم لظهور نفاقهم وبقائهم على شركهم ومنهم من يقول بضده فهي في موضوع القتال. ومنه قوله تعالى في سورة الكهف: {فما له من فئة ينصرونه من دون الله} [الكهف: 43] ومثله في سورة القصص. واللقاء يكثر استعماله في لقاء القتال أيضا حتى قال الزمخشري أنه غالب فيه وتبعه فيه كثيرون وكون اللقاء هنا لفئة يعين هذا المعنى الغالب ويبطل احتمال إرادة غيره.

والمعنى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة من أعدائكم الكفار وكذا البغاة في القتال فاثبتوا لهم ولا تفروا من أمامهم ولم يصف الفئة للعلم بوصفها من قرينة الحال وهي أن المؤمنين لا يقاتلون إلا الكفار أو البغاة فإن الثبات قوة معنوية طالما كانت هي السبب الأخير للنصر والغلب بين الأفراد أو الجيوش: يتصارع الرجلان الجلدان فيعيا كل منهما وتضعف منته ويتوقع في كل لحظة أن يقع صريعا فيخطر له أن خصمه ربما وقع قبله فيثبت حتى يكون بثبات الدقيقة الأخيرة هو الصُرَعة الظافر... {واذكروا الله كثيرا} أي وأكثروا من ذكر الله في أثناء القتال وتضاعيفه، اذكروه في قلوبكم بذكر قدرته ووعده بنصر رسله والمؤمنين ونصر كل من يتبع سنتهم بنصر دينه وإقامة سننه، وبذكر نهيه لكم عن اليأس، مهما اشتد البأس، وبأن النصر بيده ومن عنده، ينصر من يشاء وهو القوى العزيز، فمن ذكر هذا وتأمل فيه لا تهوله قوة عدوه واستعداده، لإيمانه بأن الله تعالى أقوى منه واذكروه أيضا بألسنتكم موافقة لقلوبكم بمثل التكبير الذي تستصغرون بملاحظة معناه كل ما عداه، والدعاء والتضرع إليه عز وجل مع اليقين بأن لا يعجزه شيء.

{لعلكم تفلحون} هذا الرجاء منوط بالأمرين كليهما أي أن الثبات وذكر الله تعالى هما السببان المعنويان للفلاح والفوز في القتال في الدنيا ثم في نيل الثواب في الآخرة. أما الأول فظاهر وقد بينا مثاله من الوقائع البشرية. وأما الثاني فأمثلته أظهر وأكثر، ومن أظهرها ما نزلت هذه الآية في سياقه.

وهذه السورة بجملتها في بيان حكمه وأحكامه وسنن الله فيه وهو غزوة بدر الكبرى وقد تقدم بيانه، وقد كان الكفار يمترون في كون الإيمان ولا سيما الصحيح وهو إيمان التوحيد الخالي من الخرافات وما يستلزمه من التوكل على الله تعالى في الشدائد ودعائه واستغاثته من أسباب النصر في الحرب، ولكن هذا قد صار معروفا عند علماء الاجتماع وفلسفة التاريخ وعلم النفس وعند قواد الجيوش وزعماء السياسة...

هذا وإن الله تعالى قد أمر عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره وحثهم عليه ووصف الصادقين به في آيات أخرى كما وصف المنافقين بقلته لأن الذكر غذاء الإيمان فلا يكمل إلا بكثرته، فمن غفل عن ذكره تعالى استحوذ الشيطان على قلبه وزين له الشرور والمعاصي...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإذ إن الأمر كذلك.. التدبير تدبير الله. والنصر من عند الله. والكثرة العددية ليست هي التي تكفل النصر. والعدة المادية ليست هي التي تقرر مصير المعركة.. فليثبت الذين آمنوا إذن حين يلقون الذين كفروا؛ وليتزودوا بالعدة الحقيقية للمعركة؛ وليأخذوا بالأسباب الموصولة بصاحب التدبير والتقدير، وصاحب العون والمدد، وصاحب القوة والسلطان؛ وليتجنبوا أسباب الهزيمة التي هزمت الكفار على كثرة العدد وكثرة العدة؛ وليتجردوا من البطر والكبرياء والباطل؛ وليحترزوا من خداع الشيطان، الذي أهلك أولئك الكفار؛ وليتوكلوا على الله وحده فهو العزيز الحكيم، فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر. فأثبت الفريقين أغلبهما.وأما ذكر الله كثيراً عند لقاء الأعداء فهو التوجيه الدائم للمؤمن إن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى: إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب؛ والثقة بالله الذي ينصر أولياءه.. وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها، فهي معركة لله، لتقرير ألوهيته في الأرض، وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية؛ وإذن فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا؛ لا للسيطرة، ولا للمغنم، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي.. كما أنه توكيد لهذا الواجب -واجب ذكر الله- في أحرج الساعات وأشد المواقف.. وكلها إيحاءات ذات قيمة في المعركة؛ يحققها هذا التعليم الرباني.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهنا طلب الحق الثبات ليعلم المؤمنون يقينا؛ أنهم لا يواجهون عدوهم بقوتهم ولكن بقوة الله الذي يجاهدون من أجله. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {واذكروا الله كثيرا}، أي تذكروا وأنتم تقاتلون أن الله معكم بعونه ونصره، فإن لم تستطع أسبابكم أن تأتي بالنصر، فإن خالق الأسباب يستطيع بقدرته أن يأتي بالنصر. وذِكْرُ الحق كلمة "كثيرا "هنا يعني أن الإنسان قد يذكر الله عند اليأس فقط، فإن جاءت الحياة بعد ذلك بالرخاء فقد ينسى ذكر الله؛ لذلك يؤكد سبحانه وتعالى هنا أن يكون ذكر الله كثيرا، ليوالي الله نصر المؤمن على عدوه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{فَاثْبُتُواْ}: الثبات: قال الراغب، الثبات بفتح الثاء ضد الزوال. وهو في المورد ضد الفرار من العدوّ إن الإيمان يفرض على المؤمنين أن لا يدخلوا في معركةٍ مع أيّ فريقٍ من الناس إلاّ بعد أن تتّضح لهم شرعيتها، من خلال طبيعة المواقف والتحديات الضاغطة على الإسلام والمسلمين. وعلى هذا الأساس، فلا بد لهم أن يثبتوا ويستمروا في المعركة حتى النهاية انطلاقاً من وضوح سلامة الهدف من موقع سلامة الرؤية، لأنهم سيقفون بين خيارين، وكلاهما خير، النصر أو الشهادة؛ وبذلك يمكنهم أن يحصلوا على العنصر الحقيقي للقوة في موقفهم. {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً}، لأنه يمثّل مصدر القوة في مواقف الضعف، وأساس الأمن في مواقع الخوف، وقاعدة الانضباط في حالات الاهتزاز والانحراف، فيشعر المؤمن معه بأنه لا ينطلق في المعركة من حالةٍ مزاجيةٍ قد تجره إليها أجواء المعركة، بل من مهمةٍ رسالية تفرضها عليه رسالته بأمر ربه. {لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لأن الأمّة التي ترتكز على الثبات وعلى المراقبة الدائمة لله في جميع مواقفها السلمية والحربيّة، سوف تسير إلى الفلاح في الدنيا والآخرة.