السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

ولما ذكر تعالى أنواع نعمه على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين يوم بدر علمهم إذا التقوا بالفئة وهي الجماعة من المحاربين نوعين من الأدب بقوله تعالى :

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم } أي : قاتلتم ؛ لأنّ اللقاء سبب للقتال غالباً { فئة } أي : جماعة كافرة { فاثبتوا } لقتالهم كما ثبتم في بدر ولا تحدثوا أنفسكم بفرار هذا هو النوع الأوّل { واذكروا الله كثيراً } بقلوبكم وألسنتكم قال ابن عباس : أمر الله تعالى أولياءه بذكره في أشدّ أحوالهم تنبيهاً على أنّ الإنسان لا يجوز له أن يخلو قلبه ولسانه عن ذكر الله ، ولو أنّ رجلاً أقبل من المشرق إلى المغرب على أن ينفق الأموال سخاء والآخر من المغرب إلى المشرق يضرب بسيفه في سبيل الله لكان الذاكر لله أعظم أجراً ، وقيل : المراد من هذا الذكر الدعاء بالنصر والظفر ؛ لأنّ ذلك لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى { لعلكم تفلحون } أي : تظفرون بمرادكم من النصر والثبوت .

فإن قيل : هذه الآية توجب الثبات على كل حال وذلك يوهم أنها ناسخة لآية التحرّف والتحيز . أجيب : بأنّ المراد من الثبات الجدّ في المحاربة بل كان الثبات في هذا المقصود لا يحصل إلا بذلك التحرّف والتحيز .