التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثير لعلكم تفلحون }

قال الشيخ الشنقيطي : أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بالثبات عند لقاء العدو ، وذكر الله كثيرا مشيرا إلى أن ذلك سبب للفلاح ؛ والأمر بالشيء نهي عن ضده ، أو مستلزم للنهي عن ضده ، كما علم في الأصول ، فتدل الآية الكريمة على النهي عن عدم الثبات أمام الكفار ، وقد صرح تعالى بهذا المدلول في قوله { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } إلى قوله { وبئس المصير } . وفي الأمر بالإكثار من ذكر الله تعالى في أضيق الأوقات ؛ وهو وقت التحام القتال دليل واضح على أن المسلم ينبغي له الإكثار من ذكر الله على كل حال ، ولاسيما في وقت الضيق ، والمحب الصادق في حبه لا ينسى محبوبه عند نزول الشدائد .

قال البخاري : وقال أبو عامر : حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تمنوا لقاء العدو ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ) .

( الصحيح 6/181 ح 3026 – ك الجهاد والسير ، ب لا تمنوا لقاء العدو ) ، وأخرجه مسلم في ( الصحيح ح 1742 – ك الجهاد ، ب كراهة تمنى لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء ) .

قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق – هو الفزاري – عن موسى بن عقبة ، عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبا له قال : كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقرأته : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها انتظر حتى مالت الشمس . ثم قام في الناس خطيبا قال : ( أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف . ثم قال : اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) .

( الصحيح 6/140 ح 2965 – 2966 – ك الجهاد والسير ، ب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس ) ، وأخرجه مسلم ( الصحيح – ك الجهاد ، ب كراهية تمنى لقاء العدو } .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } ، افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون ، عند الضراب بالسيوف .

قال أبو داود : حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي ، ثنا بقية ، حدثني بحير ، عن خالد بن معدان ، عن أبي بحرية ، عن معاذ بن جبل ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله ، وأطاع الإمام ، وأنفق الكريمة ، وياسر الشريك ، واجتنب الفساد ؛ فإن نومه ونبهه أجر كله . وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة ، وعصى الإمام ، وأفسد في الأرض ، فإنه لم يرجع بالكفاف ) .

( السنن 3/13 – 14 ح 2515 – ك الجهاد ، ب في من يغزو ويلتمس الدنيا ) ، وأخرجه النسائي ( 6/49 – ك الجهاد ، ب فضل الصدقة في سبيل الله ) ، والدارمي في ( السنن 2/208 – 209 – ك الجهاد ، ب الغزو غزوان ) ، وأحمد في مسنده ( 5/234 ) من طرق عن بقية به . وحسنه الألباني في ( صحيح سنن أبي داود 2/478 ح 2195 ) . وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات ليس فيه إلا ما يخشى من تدليس بقية ، وقد صرح بالتحديث كما في رواية أبي داود ( انظر مرويات الدارمي في التفسير ص 252 ) .