روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ} (20)

{ ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ } أي ثم سهل مخرجه من البطن كما جاء في رواية عن ابن عباس بأن فتح فم الرحم ومدد الأعصاب في طريقه ونكس رأسه لأسفل بعد أن كان في جهة العلو وعن ابن عباس أيضاً وقتادة وأبي صالح والسدي المراد بالسبيل سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان وتيسيره له هو هبة العقل وتمكينه من النظر وقال مجاهد والحسن وعطاء وهو رواية عن الحبر أيضاً هو سبيل الهدي والضلال أي سهل له الطريق الذي يريد سلوكه من طريق الخير والهدي وطريق الشر والضلال بأن أقدره عز وجل على كل ومكنه منه والإقدار على المراد نعمة ظاهرة بقطع النظر عن خيرته وشريته فلا يرد عليه أنه كيف يعد تسهيل طريق الشهر والضلال من النعم وقيل أنه عد منها لأنه لو لم يكن مسهلاً كسبيل الخير لم يستحق المدح والثواب بالإعراض عنه وتركه وهو مبني على القول بأن ترك المحرم كالزنا مع عدم القدرة عليه لعنة مثلاً لا يثاب عليه وقيل يثاب ويمدح عليه إذا قدر التارك في نفسه أنه لو تمكن لم يفعل وقال بعضهم العجز عن الشر نعمة وأنشد :

جكونه شكر ابن نعمت كزارم *** كه زور مردم أزاري ندارم

ونصب لسبيل بمضمر يفسره الظاهر وفيه مبالغة في التيسير وتمكين في النفس بسبب التكرير قيل وفي تعريفه باللام دون الإضافة إشعار بعمومه فأنه لو قيل سبيله أوهم أنه على التوزيع وإن لكل إنسان سبيلاً يخصه وخص بعضهم هذه النكتة بالمعنى الأخير للسبيل فتدبر وعلى هذا المعنى قيل إن فيه إيماء إلى أن الدنيا طريق والمقصد غيرها لما أشعرت به الآية من أن الميسر سبيل المكلفين الذي يترتب عليه الثواب والعقاب وفيه خفاء وأياً ما كان فالضمير المنصوب في يسره للسبيل وليس في التفكيك لبس حتى يكون نقصاً في البيان .