اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ} (20)

ثُمَّ لما ذكر المرتبة الوسطى قال تعالى :{ ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ } .

قيل : المراد : تيسير خروجه من بطنِ أمِّه ، ولا شكَّ أن خروجه حيًّا من أضيقِ المسالك من أعجب العجائبِ ، يقالُ : إنه كان رأسه في بطن أمه من فوقٍ ، ورجلاهُ من تحتٍ ، فإذا جاء وقت الخروج انقلب ، فمن الذي أعطاه ذلك الإلهام ، المراد منه قوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ النجدين } [ البلد : 10 ] ، أي : التمييز بين الخير والشرِّ .

وقيل : مخصوصٌ بالدين .

قوله تعالى : { ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ } . يجوز أن يكون الضمير للإنسان ، والسبيل ظرف ، أي : يسر للإنسان الطريق ، أي : طريق الخير ، والشر ، كقوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ النجدين } [ البلد : 10 ] .

وقال أبو البقاء{[59362]} : ويجوز أن ينتصب بأنَّه مفعولٌ ثانٍ ل «يسره » ، والهاء للإنسان ، أي : يسره السبيل ، أي : هداه له .

قال شهاب الدين{[59363]} : فلا بد من تضمينه معنى «أعْطَى » حتى ينصب اثنين ، أو حُذف حرف الجر أي : يسَّره للسَّبيل ، ولذلك قدره بقوله : «هَداه له » ، ويجوز أن يكون «السَّبيل » منصوباً على الاشتغالِ بفعلٍِ مقدرٍ ، والضمير له ، تقديره : ثم يسِّر السبيل يسَّره ، أي : سهلهُ للناس ، كقوله تعالى : { أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } [ طه : 50 ] ، وتقدَّم مثله في قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل } [ الإنسان : 3 ] .

فصل في تفسير الآية

روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهدٍ قالا : سبيل الشقاء والسعادة{[59364]} .

وقال ابن زيد : سبيل الإسلام{[59365]} ، وقال أبو بكر بن طاهر : يسّر على كلّ أحد ما خلقهُ لهُ وقدره عليه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «اعْمَلُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ لمَا خُلِقَ لَهُ »{[59366]} .


[59362]:ينظر: الإملاء 2/281.
[59363]:ينظر: الدر المصون 6/480.
[59364]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/448)، عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/520)، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[59365]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/448)، عن ابن زيد.
[59366]:أخرجه البخاري (11/503)، كتاب: القدر، باب: وكان أمر الله قدرا مقدورا حديث (6605)، ومسلم (4/2039)، كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق حديث (6/2648)، من حديث علي.