روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

{ خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً } أخرج غير واحد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم لما أطلقوا انطلقوا فجاؤا بأموالهم فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال عليه الصلاة والسلام : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً فنزلت الآية فأخذ صلى الله عليه وسلم منها الثلث كما جاء في بعض الروايات ، فليس المراد من الصدقة الصدقة المفروضة أعني الزكاة لكونها مأموراً بها وإنما هي على ما قيل كفارة لذنوبهم حسبما ينبىء عنه قوله عز وجل : { تُطَهّرُهُمْ } أي عما تطلخوا به من أوضار التخلف . وعن الجبائي أن المراد بها الزكاة وأمر صلى الله عليه وسلم بأخذها هنا دفعا لتوهم الحاقهم ببعض المنافقين فإنها لم تكن تقبل منه كما علمت وأمر التطهير سهل ، وأياماً كان فضمير أموالهم لهؤلاء المعترفين ، وقيل : إنه على الثاني راجع لأرباب الأموال مطلقاً ، وجمع الأموال للإشارة إلى أن الأخذ من سائر أجناس المال ، والجار والمجرور متعلق بخذ ويجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا من { صَدَقَةٍ } والتاء في { تُطَهّرُهُمْ } للخطاب . وقرىء بالجزم على أنه جواب الأمر والرفع على أن الجملة حال من فاعل { خُذِ } أو صفة لصدقة بتقدير بها لدلالة ما بعده عليه أو مستأنفة كما قال أبو البقاء ، وجوز على احتمال الوصفية أن تكون التاء للغيبة وضمير المؤنث للصدقة فلا حاجة بنا إلى بها . وقرىء تطهرهم من أطهره بمعنى طهره { وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } بإثبات الياء وهو خبر مبتدأ محذوف والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه وقيل استئناف أي وأنت تزكيهم بها أي تنمي بتلك الصدقة حسناتهم وأموالهم أو تبالغ في تطهيرهم ، وكون المراد ترفع منازلهم من منازل المنافقين إلى منازل الإبرار المخلصين ظاهر في أن القوم كانوا منافقين والمصحح خلافه ، هذا على قراءة الجزم { فِى * تُطَهّرُهُمْ } وأما على قراءة الرفع فتزكيهم عطف عليه ، وظاهر ما في الكشاف يدل على أن التاء هنا للخطاب لا غير لقوله سبحانه : { بِهَا } والحمل على أن الصدقة تزكيهم بنفسها بعيد عن فصاحة التزيل . وقرأ مسلمة بن محارب { *تزكهم } بدون الياء { بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ } أي ادع لهم واستغفر ، وعدى الفعل بعلي لما فيه من معنى العطف لأنه من الصلوين ، وإرادة المعنى اللغوي هنا هو المتبادر ، والحمل على صلاة الميت بعيد وان روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ولذا استدل بالآية على استحباب الدعاء لمن يتصدق ، واستحب الشافعي في صفته أن يقول للمتصدق آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهوراً وبارك لك فيما أبقيت . وقال بعضهم : يجب على الإمام الدعاء إذا أخذ ، وقيل : يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع ، وقيل : يجب على الإمام ويستحب للفقير والحق الاستحباب مطلقاً { إن صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ } تعليل للأمر بالصلاة ، والسكن السكون وما تسكن النفس إليه من الأهل والوطن مثلا وعلى الأول جعل الصلاة نفس السكن ، والاطمئنان مبالغة وعلى الثاني يكون المراد تشبيه صلاة عليه الصلاة والسلام في الالتجاء إليها بالسكن والأول أولى أي إن دعاءك تسكن نفوسهم إليه وتطمئن قلوبهم به إلى الغاية ويثقون بأنه سبحانه قبلهم .

وقرأ غير واحد من السبعة { صلواتك } بالجمع مراعاة لتعدد المدعو لهم { والله سَمِيعٌ } يسمع الاعتراف بالذنب والتوبة والدعاء { عَلِيمٌ } بما في الضمائر من الندم والغم لما فرط وبالإخلاص في التوبة والدعاء أو سميع يجيب دعاءك لهم عليم بما تقتضيه الحكمة ، والجملة حينئذ تذييل للتعليل مقرر لمضمونه وعلى الأول تذييل لما سبق من الآيتين محقق لما فيهما .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } لأن المال مادة الشهوات فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ من ذلك ليكون أول حالهم التجرد لتنكسر قوى النفس وتضعف أهواؤها وصفاتها فتتزكى من الهيآت المظلمة وتتطهر من خبث الذنوب ورجس دواعي الشيطان { وَصَلّ عَلَيْهِمْ } بامداد الهمة وإفاضة أنوار الصحبة

{ إن صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ } [ التوبة : 103 ] أي سبب لنزول السكينة فيهم ، وفسروا السكينة بنور يستقر في القلب وبه يثبت على التوجه إلى الحق ويتخلص عن الطيش