فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

قوله : { خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً } اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها ، فقيل : هي صدقة الفرض ، وقيل : هي مخصوصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها ؛ لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، و «من » للتبعيض على التفسيرين ، والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة ، والصدقة مأخوذة من الصدق ، إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه . قوله : { تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } الضمير في الفعلين للنبي صلى الله عليه وسلم : أي تطهرهم وتزكيهم يا محمد بما تأخذه من الصدقة منهم . وقيل : الضمير في تطهرهم للصدقة : أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم ، والضمير في تزكيهم للنبي صلى الله عليه وسلم : أي تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة ، والأوّل : أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين ؛ وعلى الأوّل : فالفعلان منتصبان على الحال ، وعلى الثاني : فالفعل الأوّل صفة لصدقة ، والثاني : حال منه صلى الله عليه وسلم . ومعنى التطهير : إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب ، ومعنى التزكية : المبالغة في التطهير . قال الزجاج : والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم : أي فإنك يا محمد تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف ، ويجوز الجزم على جواب الأمر . والمعنى : أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم . وقد قرأ الحسن : بجزم تطهرهم . وعلى هذه القراءة فيكون { وَتُزَكّيهِمْ } على تقدير مبتدأ : أي وأنت تزكيهم بها . قوله : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم ، قال النحاس : وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه ، أن الصلاة في كلام العرب : الدعاء ، ثم علل سبحانه أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بالصلاة على من يأخذ منه الصدقة فقال : { إِنَّ صلواتك سَكَن لَهُمْ } قرأ حفص ، وحمزة ، والكسائي { صلاتك } بالتوحيد . وقرأ الباقون بالجمع ، والسكن : ما تسكن : إليه النفس وتطمئن به .

/خ106