النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

قوله عز وجل : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } قال ابن عباس : لما نزل في أبي لبابة وأصحابه { وَآخَرُونَ اعْترَفُواْ بِذُنُوبِهِم } الآية . ثم تاب عليهم قالوا يا رسول الله خذ منا صدقة أموالنا لتطهرنا وتزكينا ، قال : لا أفعل حتى أؤمر ، فأنزل الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وفيها وجهان :

أحدهما : أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعاً ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضاً ، قاله عكرمة . ولذلك قال : { مِنْ أَمْوَالِهِمْ } لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها .

{ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم .

{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } فيه وجهان :

أحدهما : استغفر لهم : قاله ابن عباس .

الثاني : ادع لهم ، قاله السدي .

{ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لهُمْ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : قربة لهم ، قاله ابن عباس في رواية الضحاك .

الثاني : رحمة لهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضاً .

الثالث : وقار لهم ، قاله قتادة .

الرابع : تثبت لهم ، قاله ابن قتيبة .

الخامس : أمن لهم ، ومنه قول الشاعر :

يَا جَارَةَ الحَيِّ كُنتِ لي سَكَناً *** إذْ ليْسَ بعضُ الجِيرَانِ بِالسَّكَنِ

وفي الصلاة عليهم والدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم ستة أوجه :

أحدها : يجب على الآخذ الدعاء للمعطي اعتباراً بظاهر الأمر .

الثاني : لا يجب ولكن يستحب لأن جزاءها على الله تعالى لا على الآخذ .

والثالث : إن كانت تطوعاً وجب على الآخذ الدعاء ، وإن كانت فرضاً استحب ولم يجب .

والرابع : إن كان آخذها الوالي استحب له الدعاء ولم يجب عليه ، وإن كان آخذها الفقير وجب عليه الدعاء له ، لأن الحق في دفعها إلى الوالي معيّن ، وإلى الفقير غير معيّن .

والخامس : إن كان آخذها الوالي وجب ، وإن كان الفقير استحب ولم يجب . لأنه دفعها إلى الوالي إظهار طاعة فقوبل عليها بالشكر وليس كذلك الفقير .

والسادس : إن سأل الدافع الدعاء وجب ، وإن لم يسأل استحب ولم يجب .

روى عبد الله بن أبي أوفى قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي فقلت يا رسول الله صلِّ عليّ ، فقال : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى{[1285]} " .


[1285]:رواه البخاري في الدعوات 32. وأبو داود في الزكاة 7. والنسائي في الزكاة 13. وابن ماجه في الزكاة 8. وأحمد في المسند 4/352.