الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

قوله : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ، إلى قوله : { التواب الرحيم }[ 103 ، 104 ] .

قوله : { تطهرهم وتزكيهم } ، هو خطاب للنبي{[29868]} عليه السلام .

أي : فإنك تطهرهم بها وتزكيهم ، وهذا قول الزجاج{[29869]} .

وقيل : هما للصدقة ، لا للمخاطبة ، وهما في موضع النعت للصدقة ، وهو قول الأخفش ، قال : ويكون { بها } توكيدا{[29870]} .

ف " التاء " {[29871]} على القول الأول{[29872]} للمخاطبة ، وفي { تطهرهم وتزكيهم } ضمير النبي صلى الله عليه وسلم . وهي على القول{[29873]} الثاني : الثانية للصدقة{[29874]} لا للمخاطبة ، وفي { تطهرهم وتزكيهم } ضمير الصدقة .

وقيل : هما للنبي عليه السلام{[29875]} ، وهما في موضع الحال منه{[29876]} .

وقيل : { تطهرهم } للصدقة ، صفة [ لها ]{[29877]} ، { وتزكيهم } للنبي عليه السلام ، حال منه{[29878]} .

وأجاز بعض النحويين{[29879]} ، في { تطهرهم } الجزم ؛ لأنه جواب الأمر{[29880]} .

وحجة من قرأ : { صلواتك } بالجمع هنا{[29881]} ، وفي " هود " {[29882]} ، وفي " المؤمنين " {[29883]} .

إجماعهم على الجمع في : { وصلوات الرسول }[ 100 ] ، ولا فرق بينها والتي في سورة المؤمنين ، يراد بها الصلوات الخمس ، فالجمع أولى به ؛ ولأنها مكتوبة في المصحف بالواو{[29884]} ، فدل ذلك على الجمع ، وعلى أن الألف التي بعد الواو اختصرت{[29885]}ن الكتاب{[29886]} .

وقد كتبوا ما عدا هذه الثلاثة بالألف{[29887]} ، فدلت الواو في هذه الثلاثة على أنه جمع ، وحذفت الألف بعد الواو كما حذفت من درجات وبينات{[29888]} .

ومن قرأ بالتوحيد{[29889]} ، احتج بالإجماع في : { قل إن صلاتي ونسكي }{[29890]} ، بالتوحيد ، وإجماعهم على التوحيد في " الأنعام " {[29891]} ، و{ سال سائل }{[29892]} .

وأيضا فإن قوله{[29893]} : إن صلاتك أعم من : إن صلواتك ؛ لأن الجمع إنما هو لما دون العشرة ، فكأنه : " إن دعواتك " ، والتوحيد بمعنى : " إن دعاءك " ، والدعاء أعم من " الدعوات " وأكثر ؛ لأن المصدر أعم من الجمع الذي لما دون العشرة{[29894]} .

ومعنى الآية : خذ يا محمد من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم [ { صدقة تطهرهم } من دنس ذنوبهم ، { وتزكيهم } ، أي : تنميهم{[29895]} ] ، وترفعهم بها ، { وصل عليهم } ، أي : ادع لها بالمغفرة ، { إن صلواتك سكن لهم }[ 103 ] ، أي : إن دعاءك طمأنينة لهم ، بأن الله قد عفا عنهم ، { والله سميع }[ 103 ] ، أي : سميع لدعائك إذا دعوت ، ولغير{[29896]} ذلك{[29897]} .

قال ابن عباس : أتى أبو لبابة وأصحابه حين أطلقوا ، وتيب عليهم ، بأموالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا ، فقال : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا ، فأنزل الله ، عز وجل : { خذ من أموالهم صدقة } ، الآية{[29898]} .

وقد قيل : { وصل عليهم } : منسوخ بقوله : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا }[ 85 ]{[29899]} .

وقيل : إنها محكمة{[29900]} .

والمعنى : وادع لهم إذا جاءوك بالصدقات ، وعلى هذا أكثر العلماء{[29901]} .

وقال قتادة : { سكن لهم }{[29902]} ، وقار لهم{[29903]} .

وقال زيد بن أسلم : قالوا : يا رسول الله ، خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يأخذ . فأنزل الله عز وجل : { خذ من أموالهم صدقة } ، الآية{[29904]} .

قال سعيد بن جبير : كان الثلاثة إذا ( اشتكى أحدهم ){[29905]} .

اشتكى الآخران مثله ، وكان قد عمي{[29906]} ، فلم يزل الآخر يدعو حتى عمي{[29907]} .

وقال ابن عباس : { سكن لهم } : رحمه لهم{[29908]} .

وقيل : إن هذا إنما هو في الزكاة ، أمر أن يأخذ زكاة أموالهم التي عليهم{[29909]} .


[29868]:في الأصل: النبي.
[29869]:معاني القرآن وإعرابه 2/467.
[29870]:معاني القرآن 1/365، بتصرف، وإعراب القرآن للنحاس 2/233، وعنه نقل مكي.
[29871]:في "ر": بالتاء، وهو تحريف ناسخ.
[29872]:أي: قول الزجاج.
[29873]:أي: قول الأخفش.
[29874]:في الأصل: للثانية الصدقة.
[29875]:في "ر"، رمز: صم.
[29876]:مشكل إعراب القرآن 1/335.
[29877]:طمس جلها في الأصل، وفي "ر"، طمست كليا بفعل الرطوبة والأرضة. وأثبت ما اجتهدت في قراءته في بقايا الأصل، مما يقتضيه السياق.
[29878]:مشكل إعراب القرآن 1/335، بأطول من هذا، وأورده النحاس في إعراب القرآن 2/233، مختصرا، وينظر: البيان 1/405، والتبيان 2/658، والمحرر الوجيز 3/78، والبحر المحيط 5/99، والدر المصون 3/500، 501.
[29879]:في جامع البيان 14/457: "وقال بعض نحويي الكوفة: إن كان قوله: {تطهرهم} للنبي عليه السلام، فالاختيار أن تجزم، لأنه لم يعد على "الصدقة" عائد، {وتزكيهم} مستأنف، وإن كان الصدقة تطهرهم وأنت تزكيهم بها، جاز أن تجزم الفعلين وترفعهما.
[29880]:إعراب القرآن للنحاس 2/233، وتفسير القرطبي 8/158، وفتح القدير 2/455. قال ابن العربي في أحكام القرآن 2/1009: "وأهل الصناعة يرون أن يكون ذلك خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى بالغوا فقالوا: إنه يجوز أن يقرأ {تطهرهم} بجزم الراء ليكون جواب الأمر، والذي نراه أن كونه صفة أبلغ في نعت الصدقة".
[29881]:وهي قراءة: ابن كثير، وأبي عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر، كتاب السبعة في القراءات 317.
[29882]:آية 87، {قالوا يا شعيب أصلواتك تامرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد}
[29883]:آية: 9{والذين هم على صلواتهم يحافظون}.
[29884]:المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار 54، 55.
[29885]:في الأصل: واختصرت، ولا يستقيم به السياق.
[29886]:انظر: المقنع 55.
[29887]:انظر: المقنع 55.
[29888]:انظر: المصدر نفسه 22، فصل: حذف الألف من الجمع السالم.
[29889]:وهي قراءة: حفص، وحمزة، والكسائي. الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/505، وإعراب القراءات السبع 1/252، وحجة القراءات 322، والتيسير 97.
[29890]:الأنعام 164 وتمامها: {ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.
[29891]:آية 93، {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يومنون بالآخرة يومنون به وهم على صلواتهم يحافظون}.
[29892]:آية 23: {الذين هم على صلاتهم دائمون}، وتسمى أيضا: سورة المعارج. إتحاف فضلاء البشر 2/560.
[29893]:في "ر": قولك، وهو تحريف ناسخ.
[29894]:انظر: مزيد بيان في الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/505-506، وجامع البيان 14/458.
[29895]:زيادة من "ر".
[29896]:في الأصل: ولغيرك.
[29897]:جامع البيان 14/454، بتصرف.
[29898]:جامع البيان 14/454، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1874، 1875.
[29899]:الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 320، 321، وإعراب القرآن للنحاس 2/233، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/263، والمحرر الوجيز 3/78، وتفسير القرطبي 8/158.
[29900]:وهو الاختيار عند المؤلف في الإيضاح 321، "لأن الصلاتين مختلفتان لا تنسخ إحداهما الأخرى" وفيه مزيد بيان، وناسخ ابن العربي 2/263، والمحرر الوجيز 3/78، وتفسير القرطبي 8/159.
[29901]:انظر: تفصيل ذلك في جامع البيان 14/454، وما بعدها، وتفسير ابن كثير 2/386، والدر المنثور 4/281، 282.
[29902]:في الأصل: وقال، وهو تحريف.
[29903]:جامع البيان 14/457، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1876، وتفسير ابن كثير 2/386، من غير "لهم".
[29904]:جامع البيان 14/455، باختصار.
[29905]:ما بين الهلالين ساقط من ر.
[29906]:في "ر": دعى، وهو تحريف. وعمي من باب صدي، المختار/عمي.
[29907]:جامع البيان 14/455، باختصار.
[29908]:جامع البيان 14/457، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1876، من غير "لهم"، وتفسير ابن كثير 2/386، والدر المنثور 4/281.
[29909]:وهو قول عكرمة في تفسير الماوردي 2/398، وتفسير البغوي 4/92، وزاد المسير 3/496، وتفسير القرطبي 8/155، وعزاه أيضا إلى جويبر عن ابن عباس. وهو قول جماعة من الفقهاء في المحرر الوجيز 3/78، والبحر المحيط 5/99. ورجحه ابن العربي في أحكام القرآن 2/1010، انظر تفسير الرازي 8/181، وما بعدها. والجمهور على أنها صدقة التطوع، كما في زاد المسير 3/496.