التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (21)

جملة { غير أحياء } تأكيد لمضمون جملة { أموات } ، للدلالة على عراقة وصف الموت فيهم بأنه ليس فيه شائبة حياة لأنهم حجارة .

ووصفت الحجارة بالموت باعتبار كون الموتتِ عدم الحياة . ولا يشترط في الوصف بأسماء الأعدام قبولُ الموصوفات بها لملكاتها ، كما اصطلح عليه الحكماء ، لأن ذلك اصطلاح منطقي دعا إليه تنظيم أصول المحاجة .

وقرأ عاصم ويعقوب { يدعون } بالتحتية . وفيها زيادة تبيين لصرف الخطاب إلى المشركين في قراءة الجمهور .

وجملة { وما يشعرون أيان يبعثون } إدماج لإثبات البعث عقب الكلام على إثبات الوحدانية لله تعالى ، لأن هذين هما أصل إبطال عقيدة المشركين ، وتمهيدٌ لوجه التلازم بين إنكار البعث وبين إنكار التوحيد في قوله تعالى { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } [ سورة النحل : 22 ] . ولذلك فالظاهر أن ضميري { يشعرون } و { يبعثون } عائدان إلى الكفّار على طريق الالتفات في قراءة الجمهور ، وعلى تناسق الضمائر في قراءة عاصم ويعقوب .

والمقصود من نفي شعورهم بالبعث تهديدهم بأن البعث الذي أنكروه واقع وأنهم لا يدرون متى يبغتهم ، كما قال تعالى : { لا تأتيكم إلا بغتة } [ سورة الأعراف : 187 ] .

والبعث : حقيقته الإرسال من مكان إلى آخر . ويطلق على إثارة الجاثم . ومنه قولهم : بعثتُ البعير ، إذا أثرته من مَبركه . ولعلّه من إطلاق اسم الشيء على سببه . وقد غلب البعث في اصطلاح القرآن على إحضار الناس إلى الحساب بعد الموت . فمن كان منهم ميتاً فبعثه من جدثه ، ومن كان منهم حياً فصادفته ساعة انتهاء الدنيا فمات ساعتئذٍ فبعثُه هو إحياؤه عقب الموت ، وبذلك لا يعكر إسناد نفي الشعور بوقت البعث عن الكفّار الأحياء المهدّدين . ولا يستقيم أن يكون ضمير { يشعرون } عائداً إلى { الذين تدعون } ، أي الأصنام .

و { أيان } اسم استفهام عن الزمان . مركبة من ( أي ) و ( آن ) بمعنى أي زمن ، وهي معلقة لفعل { يشعرون } عن العمل بالاستفهام ، والمعنى : وما يشعرون بزمن بعثهم . وتقدم { أيان } في قوله تعالى : { يسألونك عن الساعة أيّان مرساها } في سورة الأعراف ( 187 ) .