مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (21)

والصفة الثانية : قوله : { أموات غير أحياء } والمعنى : أنها لو كانت آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات ، أي غير جائز عليها الموت كالحي الذي لا يموت سبحانه وتعالى ، وأمر هذه الأصنام على العكس من ذلك .

فإن قيل : لما قال : { أموات } علم أنها غير أحياء فما الفائدة في قوله : { غير أحياء } ؟

والجواب من وجهين : الأول : أن الإله هو الحي الذي لا يحصل عقيب حياته موت ، وهذه الأصنام أموات لا يحصل عقيب موتها الحياة . والثاني : أن هذا الكلام مع الكفار الذين يعبدون الأوثان ، وهم في نهاية الجهالة والضلالة ، ومن تكلم مع الجاهل الغر الغبي فقد يحسن أن يعبر عن المعنى الواحد بالعبارات الكثيرة ، وغرضه منه الإعلام بكون ذلك المخاطب في غاية الغباوة وأنه إنما يعيد تلك الكلمات لكون ذلك السامع في نهاية الجهالة ، وأنه لا يفهم المعنى المقصود بالعبارة الواحدة .

الصفة الثالثة : قوله : { وما يشعرون أيان يبعثون } والضمير في قوله : { وما يشعرون } عائد إلى الأصنام ، وفي الضمير في قوله : { يبعثون } قولان : أحدهما : أنه عائد إلى العابدين للأصنام يعني أن الأصنام لا يشعرون متى تبعث عبدتهم ، وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء منهم على عبادتهم . والثاني : أنه عائد إلى الأصنام يعني أن هذه الأصنام لا تعرف متى يبعثها الله تعالى ، قال ابن عباس : إن الله يبعث الأصنام ولها أرواح ومعها شياطينها فيؤمر بها إلى النار .

فإن قيل : الأصنام جمادات ، والجمادات لا توصف بأنها أموات ، ولا توصف بأنهم لا يشعرون كذا وكذا .

والجواب عنه من وجوه : الأول : أن الجماد قد يوصف بكونه ميتا قال تعالى : { يخرج الحي من الميت } . والثاني : أن القوم لما وصفوا تلك الأصنام بالإلهية والمعبودية قيل لهم ؛ ليس الأمر كذلك ، بل هي أموات ولا يعرفون شيئا ، فنزلت هذه العبارات على وفق معتقدهم . والثالث : أن يكون المراد بقوله : { والذين يدعون من دون الله } الملائكة ، وكان أناس من الكفار يعبدونهم فقال الله إنهم أموات لا بد لهم من الموت غير أحياء ، أي غير باقية حياتهم : { وما يشعرون أيان يبعثون } أي لا علم لهم بوقت بعثهم ، والله أعلم .