قوله " أمْوات " يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، أي : وهم يخلقون وهم أمواتٌ ، ويجوز أن يكون " يُخْلَقُونَ " ، و " أمْواتٌ " كلاهما خبر من باب : هذا حُلْوٌ حَامِضٌ ذكره أبو البقاء رحمه الله تعالى ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هم أمواتٌ .
قوله : { غَيْرُ أَحْيَاءٍ } يجوز فيه ما تقدم ويكون تأكيداً .
وقال أبو البقاء{[19766]} : ويجوز أن يكون قصد بها أنهم في الحال غير أحياء ؛ ليدفع به توهُّم أنَّ قوله تعالى : { أَمْوَاتٌ } فيما بعد ، إذ قال تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] .
قال شهابُ الدِّين{[19767]} : " وهذا لا يخرجه عن التأكيد الذي ذكره قبل ذلك " .
اعلم أنه - تعالى - وصف الأصنام بصفات :
وثالثها : أنهم أموات غير أحياءٍ ، أي : أنها لو كانت آلهة حقيقية ؛ لكانت أحياء غير أموات ، أي : لا يجوز عليها الموت ، كالحيِّ الذي لا يموت - سبحانه - وهذه الأصنام بالعكسِ .
فإن قيل : لما قال " أمْواتٌ " علم أنَّها " غَيْرُ أحياءٍ " ، فما فائدة قوله تعالى : { غَيْرُ أحْيَاءٍ } ؟ .
والجواب : أنَّ الإله هو الحيُّ الذي لا يحصل عقيب حياته موتٌ ، وهذه الأصنام أموات لا يحصل عقيب موتها حياة ، وأيضاً : فهذا الكلام مع عبدة الأوثان ، وهم في نهاية الجهالة ، ومن تكلَّم مع الجاهل الغرِّ الغبي ، فقد يعبر عن المعنى الواحد ، بعباراتٍ كثيرة ، وغرضه الإعلام بأنَّ ذلك المخاطب في غاية الغباوة ، وإنما يعيد تلك الكلمات ؛ لأنَّ ذلك السامع في نهاية الجهالة ، وأنه لا يفهم المعنى المقصود بالعبارة الواحدة .
ورابعها : قوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } والضمير في قوله : " يَشْعرُونَ " عائد على الأصنام ، وفي الضمير في قوله : " يُبْعَثُونَ " قولان :
أحدهما : أنه عائد إلى العابد للأصنام ، أي : ما يدري الكفار عبدةُ الأصنام متى يبعثون .
الثاني : أنه يعود إلى الأصنام ، أي : الأصنام لا يشعرون متى يبعثها الله تعالى .
قال ابن عباس - رضي الله عنه : إنَّ الله - تعالى - يبعث الأصنام لها أرواحٌ ، ومعها شياطينها ، فتتبرَّأ من عابديها ، فيؤمرُ بالكلِّ إلى النَّارِ{[19768]} .
فصل هل توصف الأصنام بموت أو حياة
الأصنام جمادات ، والجمادات لا توصف بأنها أمواتٌ ، ولا توصف بأنها لا تشعر بكذا وكذا .
الأول : أنَّ الجماد قد يوصف بكونه ميتاً ؛ قال تعالى : { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } [ الأنعام : 95 ] .
الثاني : أنهم لما وصفوا بالإلهيَّة قيل لهم : ليس الأمر كذلك ؛ بل هي أمواتٌ ، لا يعرفون شيئاً ، فخوطبوا على وفق معتقدهم .
الثالث : أنَّ المراد بقوله تعالى : { والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله } [ الملائكة ]{[19769]} وكان أناسٌ من الكفَّار يعبدونهم ؛ فقال الله تعالى : إنهم " أمْواتٌ " أي : لابدَّ لهم من الموت " غَيْرُ أحْيَاءٍ " أي : غير باقيةٍ حياتهم ، { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي لا علم لهم بوقت بعثهم . انتهى .
قوله تعالى : " أيَّانَ " منصوب بما بعده لا بما قبله ؛ لأنَّه استفهام ، وهو معلق ل " مَا يَشْعرُونَ " فجملته في محل نصب على إسقاطِ الخافض ، هذا هو الظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.