البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (21)

وأموات خبر مبتدأ محذوف أي : هم أموات .

ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر .

والظاهر أن هذه كلها مما حدث به عن الأصنام ، ويكون بعثهم إعادتها بعد فنائها .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } وقيل : معنى بعثها إثارتها ، كما تقول : بعثت النائم من نومه إذ نبهته ، كأنه وصفهم بغاية الجمود أي : وإن طلبتهم بالتحريك أو حركتهم لم يشعروا بذلك ، ونفى عنهم الحياة لأنّ من الأموات ما يعقب موته حياة كالنطف التي ينشئها الله حيواناً ، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها .

وأما الأصنام من الحجارة والخشب فأموات لا يعقب موتها حياة ، وذلك أعرق في موتها .

وقيل : والذين تدعون ، هم الملائكة ، وكان ناس من الكفار يعبدونهم .

وأموات أي : لا بد لهم من الموت ، وغير أحياء أي : غير باق حياتهم ، وما يشعرون أي : لا علم لهم بوقت بعثهم .

وجوزوا في قراءة : والذين يدعون ، بالياء من تحت أن يكون قوله : أموات ، يراد به الكفار الذين ضميرهم في : يدعون ، شبههم بالأموات غير الأحياء من حيث هم ضلال .

غير مهتدين وما بعده عائد عليهم ، والبعث الحشر من قبورهم .

وقيل : في هذا التقدير وعيد أي : أيان يبعثون إلى التعذيب .

وقيل : الضمير في وما يشعرون ، للأصنام وفي : يبعثون ، لعبدتها .

أي : لا تشعر الأصنام متى تبعث عبدتها .

وفيه تهكم بالمشركين ، وأنّ آلهتهم لا يعلمون وقت بعث عبدتهم ، فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم .

وتلخص من هذه الأقوال أن تكون الإخبار بتلك الجمل كلها من المدعوين آلهة ، أما الأصنام ، وأما الملائكة ، أو يكون من قوله : أموات إلى آخره ، إخباراً عن الكفار .

أو يكون وما يشعرون أيان يبعثون ، فقط إخباراً عن الكفار ، أو يكون وما يشعرون إخباراً عن المدعوين ، ويبعثون : إخباراً عن الداعين العابدين .

وقرأ أبو عبد الرحمن إيان بكسر الهمزة ، وهي لغة قومه سليم .

والظاهر أنّ قوله : إيان ، معمول ليبعثون ، والجملة في موضع نصب بيشعرون ، لأنه معلق .

إذ معناه العلم .

والمعنى : أنه نفى عنهم علم ما انفرد بعلمه الحي القيوم ، وهو وقت البعث إذا أريد بالبعث الحشر إلى الآخرة .

وقيل : تم الكلام عند قوله : وما يشعرون .

وأيان يبعثون ظرف لقوله : إلهكم إله واحد ، أخبر عن يوم القيامة أنّ الإله فيه واحد انتهى .

ولا يصح هذا القول لأنّ أيان إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفاً ، إما استفهاماً ، وإما شرطاً .

وفي هذا التقدير تكون ظرفاً بمعنى وقت مضافاً للجملة بعدها ، معمولاً لقوله : واحد ، كقولك : يوم يقوم زيد قائم .

وفي قوله : أيان يبعثون دلالة على أنه لا بد من البعث ، وأنه من لوازم التكليف .