التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

تفريع على ما قبله وثمّ جملة محذوفة دل عليها العرض ، أي فعمل آدم بوسوسة الشيطان فأكل من الشجرة وأكلت حواء معه .

واقتصار الشيطان على التسويل لآدم وهو يريد أن يأكل آدم وحواء ، لعلمه بأن اقتداء المرأة بزوجها مركوز في الجبلة . وتقدم معنى { فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } في سورة الأعراف ( 22 ) .

وقوله وعصى آدم ربه } عطف على { فأكلا منها } ، أي أكلا معاً ، وتعمد آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة . وإثبات العصيان لآدم دون زوجه يدل على أن آدم كان قدوة لزوجه فلما أكل من الشجرة تبعته زوجه ، وفي هذا المعنى قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [ التحريم : 6 ] .

والغواية : ضدّ الرشد ، فهي عمل فاسد أو اعتقاد باطل ، وإثبات العصيان لآدم دليل على أنه لم يكن يومئذ نبيئاً ، ولأنّه كان في عالم غير عالم التكليف وكانت الغواية كذلك ، فالعصيان والغواية يومئذ : الخروج عن الامتثال في التربية كعصيان بعض العائلة أمرَ كبيرها ، وإنما كان شنيعاً لأنّه عصيان أمر الله . !

وليس في هذه الآية مستند لتجويز المعصية على الأنبياء ولا لِمنعها ، لأنّ ذلك العالَم لم يكن عالَم تكليف .