السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

{ فأكلا } أي : فتسبب عن قوله وتعقب أن أكل { منها } هو وزوجته متبعين لقوله ناسين ما عهد إليهما لأمر قدّره الله في الأزل { فبدت لها سوآتهما } قال ابن عباس عرياً من النور الذي كان الله ألبسهما حتى بدت فروجهما ، وإنما جمع سوآتهما كما قال : { صغت قلوبكما } [ التحريم ، 4 ] أي : فظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره ، وسمى كل منهما سوأة ؛ لأن انكشافه يسوء صاحبه { وطفقا يخصفان } أي : أخذا يلزقان { عليهما من ورق الجنة } ليستترا به ، قال ابن عادل : وهو ورق التين { وعصى آدم } بالأكل من الشجرة ، وإن كان إنما فعل المنهي نسياناً لأن عظم مقامه وعلو رتبته يقتضيان له مزيد الاعتناء ، ودوام المراقبة { ربه } المحسن إليه بما لم ينله أحد من بنيه من تصويره له بيده ، وإسجاد ملائكته له ، ومعاداة من عاداه { فغوى } أي : فعل ما لم يكن له فعله ، وقيل : أخطأ طريق الحق ، وقيل : حيث طلب الخلد بأكل ما نهى عنه ، فخاب ، ولم ينل مراده وصار من العز إلى الذل ، ومن الراحة إلى التعب ؛ قال ابن قتيبة : يجوز أن يقال : عصى آدم ، ولا يجوز أن يقال : آدم عاص ؛ لأنه إنما يقال : عاص لمن اعتاد فعل المعصية كالرجل يخيط ثوبه ، فيقال : خاط ثوبه ، ولا يقال : هو خياط حتى يعاوده ويعتاده .

تنبيه : تمسك بعضهم بقوله تعالى : { وعصى آدم ربه فغوى } في صدور الكبيرة عنه من وجهين ؛ الأول : أن العاصي اسم للذم ، فلا ينطلق إلا على صاحب الكبيرة لقوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها } [ الجن ، 23 ] ، ولا معنى لصاحب الكبيرة إلا من فعل فعلاً يعاقب عليه ، الثاني : أن الغواية والضلالة اسمان مترادفان ، والغي ضد الرشاد ، ومثل هذا لا يتناول إلا الفاسق المنهمك في فسقه ، وأجيب : بأن المعصية مخالفة الأمر ، والأمر قد يكون بالواجب وقد يكون بالمندوب ، فإنك تقول : أمرته فعصاني ، وأمرته بشرب الدواء فعصاني ، وإذا كان كذلك لم يمتنع إطلاق اسم العصيان على آدم بكونه للمندوب ، وإن كان وصف تارك المندوب بأنه عاص مجاز ، وأجاب أبو مسلم الأصبهاني بأنه عصى في مصالح الدنيا لا فيما يتصل بالتكاليف ، وكذا القول في غوى ؛ قال الرازي : والأولى عندي في هذا الباب أن يقال : هذه الواقعة كانت قبل النبوَّة ، وقد تقدم شرح ذلك في البقرة ، وقيل : بل أكل من الشجرة متأولاً ، وهو لا يعلم أنَّ الشجرة التي نهى الله عنها شجرة مخصوصة لا على الجنس ، ولهذا قيل : إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة ، فهو كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين أي : يرونها بالإضافة إلى علو أحوالهم كالسيئات