غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

ومما يدل على أن آدم قبل وسوسته قوله تعالى : { فأكلا } بالفاء مشعر بالعلية كقول الصحابي : " زنى ماعز فرجم " وما في الآية قد مر تفسيره في " الأعراف " إلا قوله : { وعصى آدم ربه فغوى } قال بعض الناس : إن آدم ذنبه كبيرة وإلا لم يوصف بالعصيان والغواية فإن العاصي والغاوي اسمان مذمومان عرفاً وشرعاً وقد ترتب الوعيد عليهما . وأجيب بأن المعصية مخالفة الأمر والأمر قد يكون مندوباً . وزيف بالمنع من أن المندوب غير مأمور به . ثم أن مخالفة عاص وإلا كان الأنبياء كلهم عصاة لأنهم لا ينكفون عن ترك المندوب . قالوا : يقال أشرت إليه في أمر كذا فعصاني وأمرته بشرب الدواء فعصاني . وأجيب بالمنع من أن هذا من مستعملات العرب العاربة ، ولو سلم فلعله إنما يقال ذلك إذا عرف أن المستشير لا بد له أن يفعل ذلك ، وحينئذ يكون معنى الإيجاب حاصلاً وإن لم يكن وجوب شرعي لأن ذلك الإيجاب لم يصدر عن الشارع . ومنهم من زعم أنه ذنب صغير وهم عامة المعتزلة ورد بأن المعاصي إسم من يستحق العقاب وهذا لا يليق بالصغيرة . وأجاب أبو مسلم الأصفهاني بأنه عصى في مصالح الدنيا لا فيما يتصل بالتكاليف ولهذا قال سبحانه { فغوى } أي خاب من نعيم الجنة لأن الرشد هو أن يتوصل بشيء إلى شيء فيصل إلى المقصود والغي ضده ، وأنه سعى في طلب الخلود فنال ضد المقصود . وعن بعضهم { فغوى } أي بشم من كثرة الأكل وزيفه جار الله . ورد قول أبي مسلم بأن مصالح الدنيا تكون مباحة فلا يوصل تاركها بالعصيان . قلت : في هذا نظر ، والأحوط في هذا الباب أن يعتقد كون هذه الواقعة قبل النبوة بدليل قوله : { ثم اجتباه ربه }

/خ115