الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

«طفق يفعل كذا » مثل : جعل يفعل ، وأخذ ، وأنشأ . وحكمها حكم كاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً ، وبينها وبينه مسافة قصيرة هي للشروع في أوّل الأمر . وكاد لمشارفته والدنوّ منه . قرىء { يَخْصِفَانِ } للتكثير والتكرير ، من خصف النعل وهو أن يخرز عليها الخصاف ، أي : يلزقان الورق بسوآتهما للتستر وهو ورق التين . وقيل كان مدوراً فصار على هذا الشكل من تحت أصابعهما . وقيل كان لباسهما الظفر ، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع ، عن ابن عباس : لا شبهة في أنّ آدم لم يمتثل ما رسم الله له ، وتخطى فيه ساحة الطاعة ، وذلك هو العصيان . ولما عصى خرج فعله من أن يكون [ فعلاً ] رشداً وخيراً ، فكان غيا لا محالة ؛ لأنّ الغي خلاف الرشد ، ولكن قوله : { وعصى ءادَمُ رَبَّهُ فغوى } بهذا الإطلاق وبهذا التصريح ، وحيث لم يقل : وزل آدم وأخطأ وما أشبه ذلك ، مما يعبر به عن الزلات والفرطات : فيه لطف بالمكلفين ومزجرة بليغة وموعظة كافة ، وكأنه قيل لهم : انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله الذي لا يجوز عليه إلا اقتراف الصغيرة غير المنفرة زلته بهذه الغلطة و بهذا اللفظ الشنيع ، فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من السيآت والصغائر ، فضلاً أن تجسروا على التورّط في الكبائر . وعن بعضهم ( فغوى ) فبشم من كثرة الأكل ، وهذا - وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفاً فيقول في «فني ، وبقي » : «فنا ، وبقا » وهم بنوطي - تفسير خبيث .