فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) وكان هذا مما قصد إليه إبليس ، كما جاء في آية كريمة : { . . كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما . . ){[2081]} ، فسارع آدم وحواء يطلبان ما يواري سوآتهما ، فجعلا يلصقان عليهما ورق التين كما ورد ؛ { . . وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين . قالا ربنا ظلمنا أنفسنا . . ){[2082]} .

{ وعصى آدم ربه فغوى } أفسدت المعصية{[2083]} عليه عيشه ؛ { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } ، وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى ما حاصله : كان العصيان من آدم قبل النبوة ؛ ودليل ذلك قوله تعالى : { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان ، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا لأن قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم ، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب . اه .


[2081]:سورة الأعراف. من الآية 27.
[2082]:سورة الأعراف. من الآية 22. ومن الآية 23.
[2083]:مما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن: تلك الأمور التي وقعت على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم،.... فهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم، ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم، واجتباهم وهداهم،..واختارهم واصطفاهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه... لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه، أو قول نبيه، فأما أن يبتدئ بذلك من قبل نفسه فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا ـ المماثلين لنا فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم، النبي المقدم، الذي عذره الله سبحانه وتعالى وتاب عليه وغفر له. روى الأئمة ـ أئمة المحدثين، وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم يا موسى اصطفاك الله عز وجل بكلامه وخط لك بيده يا موسى أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا"؛ ـ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاث مرات ـ قال المهلب: قوله: "فحج آدم موسى" أي: غلبه بالحجة؛..... فلم يكن لموسى أن يعيره بخطيئة قد غفرها الله تعالى له...وبمثل هذا احتج ابن عمر على الذي قال له: إن عثمان فر يوم أحد، فقال ابن عمر: ما على عثمان ذنب؛ لأن الله تعالى قد عفا عنه بقوله: {...ولقد عفا الله عنهم...) ـ سورة آل عمران. من الآية 155ـ وقد قيل: إن آدم عليه السلام أب، وليس تعييره من بره أن لو كان مما يعير به غيره؛.... وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول: تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله علي ذلك؛ والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.. قوله تعالى: {فغوى} أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش واختاره القشيري.... قال القشيري أبو نصر قال قوم: يقال: عصى آدم وغوى، ولا يقال له عاص ولا غاو... وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإما أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوة.