التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

استئناف ابتدائي ، جعل تمهيداً لما بعده من وصف أحوال شركهم . وتعقيب الآية السابقة بهذه مشير إلى أنّ المراد باتّباع غير سبيل المؤمنين اتّباع سبيل الكفر من شرك وغيره ، فعقّبه بالتحذير من الشرك ، وأكّده بأنّ للدلالة على رفع احتمال المبالغة أو المجاز . وتقدّم القول في مثل هذه الآية قريباً . غير أنّ الآية السابقة قال فيها { ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } [ النساء : 48 ] وقال في هذه { فقد ضل ضلالاً بعيداً } وإنّما قال في السابقة { فقد افترى إثماً عظيماً } لأنّ المخاطب فيها أهل الكتاب بقوله : { يأيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم } [ النساء : 47 ] فنبّهوا على أنّ الشرك من قبيل الافتراء تحذيراً لهم من الافتراء وتفظيعاً لجنسه . وأمّا في هذه الآية فالكلام موجه إلى المسلمين فنبّهوا على أنّ الشرك من الضلال تحذيراً لهم من مشاقة الرسول وأحوال المنافقين فإنها من جنس الضلال . وأكِّدَ الخبر هنا بحرف ( قَدْ ) اهتماماً به لأنّ المواجه بالكلام هنا المؤمنون ، وهم لا يشكّون في تحقّق ذلك .

والبعيد أريد به القويّ في نوعه الذي لا يرجى لصاحبه اهتداء ، فاستعير له البعيد لأنّ البعيد يُقصي الكائن فيه عن الرجوع إلى حيث صدر .