البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } تقدّم مثل تفسير هذه الآية ، ونزلت قيل : في طعمة .

وقيل : في نفر من قريش أسلموا ثم انقلبوا إلى مكة مرتدين .

وقيل : في شيخ قال : لم أشرك بالله منذ عرفته ، إلا أنه كان يأتي ذنوباً ، وأنه ندم واستغفر ، إلا أنّ آخر ما تقدّم فقد افترى إثماً عظيماً ، وآخر هذه فقد ضل ضلالاً بعيداً ختمت كل آية بما يناسبها .

فتلك كانت في أهل الكتاب ، وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووجوب اتباع شريعته ، ونسخها لجميع الشرائع ، ومع ذلك قد أشركوا بالله مع أن عندهم ما يدل على توحيد الله تعالى والإيمان بما نزل ، فصار ذلك افتراء واختلافاً مبالغاً في العظم والجرأة على الله .

وهذه الآية هي في ناس مشركين ليسوا بأهل كتب ولا علوم ، ومع ذلك فقد جاءهم بالهدى من الله ، وبان لهم طريق الرشد فأشركوا بالله ، فضلوا بذلك ضلالاً يستبعد وقوعه ، أو يبعد عن الصواب . ولذلك جاء بعده : { إن يدعون من دونه إلا إناثاً } وجاء بعد تلك : { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } وقوله : { انظر كيف يفترون على الله الكذب } ولم يختلف أحد من المتأولين في أنّ المراد بهم اليهود ، وأن كان اللفظ عاماً .

ولما كان الشرك من أعظم الكبائر ، كان الضلال الناشىء عنه بعيداً عن الصواب ، لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالاً لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق ، لأن له رأس مال يرجع إليه وهو الإيمان ، بخلاف المشرك .

ولذلك قال تعالى : { يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد } وناسب هنا ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله .

/خ126