الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

قوله : ( وَمَنْ يُّشَاقِقِ( {[13554]} ) الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى . . ) الآية [ 115 ] .

المعنى : من يباين الرسول من بعدما تبين له أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن ما جاء به الحق ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ ) أي غير طريقهم ، ومنهاجهم ، وهو التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما [ جاء به ]( {[13555]} ) ( تُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ) أي : نجعل ناصره من استنصر به واستعان به من الأوثان والأصنام( {[13556]} ) .

وقال مجاهد : ( تُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ) : نتركه وما يعبد( {[13557]} ) .

وقيل : نتركه واختياره( {[13558]} ) .

( وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ) أي نجزه بها .

( وَسَاءَتْ مَصِيراً ) أي ساءت جهنم مصيراً ، وهو الموضع الذي يصير إليه .

ونزلت هذه الآية أيضاً( {[13559]} ) في الخائنين الذين تقدم ذكرهم لما أبى التوبة طعمة بن الأُبيرق ، لحق بالمشركين من عبدة الأوثان مرتداً عن الإسلام ، فهو [ من( {[13560]} ) ] الذين شاقوا الرسول من بعد أن كان مؤمناً ، واتبع غير طريق المؤمنين( {[13561]} ) . ورجع إلى عبادة( {[13562]} ) الأصنام ، فقال الله عز وجل : ( تُوَلِّيهِ مَا تَوَلَّى ) .

" وجهنم " : في قول بعض اللغويين اسم مختلق( {[13563]} ) للنار ، لا يعرف( {[13564]} ) له اشتقاق ، ومُنِع من الصرف للتعريف والعجمة( {[13565]} ) .

وقال أكثرهم : هو اسم عربي مشتق من قول العرب : هذه رِكية جهنام( {[13566]} ) : إذا كانت بعيدة القعر ، فسميت النار جهنم لبعد قعرها ، ومنعت من الصرف على هذا القول للتعريف والتأنيث( {[13567]} ) .

/ت*

ولما مات ابن الأبيرق مقتولاً من أجل السرق الذي سرق بعد ارتداده ، أنزل الله عز وجل ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ ) إلى قوله : ( فَقَدْ ضَّلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) معناه : إن الله لا يغفر لطعمة إذ أشرك به ، ومات على شركه ، ولا لمن هو مثله ، ( وَيَغْفِرُ( {[13568]} ) مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَّشَاءُ ) يعني أن طعمة لولا أنه أشرك ومات على شركه لكان في مشيئة الله سبحانه على ما سلف من خيانته ومعصيته .

*ت/

( وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ ) أي : من يجعل له في عبادته شريكاً فقد ذهب عن طريق الحق ، وزال عن قصد السبيل ذهاباً بعيداً .


[13554]:- أي: من صار في شق غير شق أوليائه والمشاقة العداوة، والخلاف. انظر: المفردات: 271، واللسان شقق 10/183.
[13555]:- ساقط من (أ).
[13556]:- انظر: جامع البيان 5/277.
[13557]:- انظر: تفسير مجاهد 1/173، وفيه: نوليه في الآخرة ما تولى من إلهه الباطل في الدنيا.
[13558]:- هو قول الزجاج، انظر: معاني الزجاج 1/107.
[13559]:- (أ): أنها.
[13560]:- زيادة يقتضيها السياق.
[13561]:- ساقط من (د)... وهو يبتدئ من ص... إلى هنا.
[13562]:- (أ): عادة.
[13563]:- أي: أنه اسم مرتجل غير منقول.
[13564]:- (أ): لا يعرفه اشتقاق.
[13565]:- فتح الجليل: 285.
[13566]:- جِهِنَّام بكسر الجيم والهاء، انظر: اللسان: جهنم 12/112 والركية: البئر. اللسان 14/334.
[13567]:- (أ): التالية.
[13568]:- مغفر وهو خطأ.