فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ( 116 ) إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ( 117 ) }

{ إن الله لا يغفر أن يشرك به } هذا نص صريح بأن الشرك غير مغفور إذا مات صاحبه عليه لقوله { قل للذين كفروا } الآية { ويغفر ما دون ذلك } أي ما دون الشرك { لمن يشاء } من أهل التوحيد وهذه المشيئة فيمن لم يتب من ذنوبه من الموحدين فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه .

{ ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } أي ذهب عن طريق الهدى وحرم الخير كله إذا مات على شركه ، لأن الشرك أعظم أنواع الضلال وأبعدها من الصواب والاستقامة ، كما أنه افتراء وإثم عظيم ولذلك جعل الجزاء في هذه الشرطية { فقد ضل } وفيما سبق { فقد افترى إثما عظيما } حسبما يقتضيه سياق النظم الكريم وسياقه .

وفي السمين ختمت الآية المتقدمة بقوله فقد افترى وهذه بقوله فقد ضل لأن الأولى في شأن أهل الكتاب وهم عندهم علم بصحة نبوته وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع ، ومع ذلك فقد كابروا في ذلك وافتروا على الله ، وهذه في شأن قوم مشركين ليس لهم كتاب ولا عندهم علم ، فناسب وصفهم بالضلال .

وأيضا قد تقدم هنا ذكر الهدى وهو ضد الضلال 1ه .

وقد تقدم تفسير هذه الآية وتكريرها بلفظها في موضعين من هذه السورة للتأكيد وقيل كررت هنا لأجل قصة بني أبريق ، وقيل : إنها نزلت هنا بسبب غير قصة بني أبيرق وهو ما رواه الثعلبي والقرطبي في تفسيرها عن الضحاك أن شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلا أني لم أشرك بالله شيئا مذ عرفته وآمنت به ، ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له وإني لنادم وتائب ومستغفر فما حالي عند الله فأنزل الله تعالى هذه الآية أخرجه الترمذي ، عن علي أنه قال ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية قال الترمذي حسن غريب .