نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

ولما كان فاعل ذلك بعد بيان الهدى هم أهل الكتاب ومن أضلوه من المنافقين بما ألقوه إليهم من الشبه ، فردوهم إلى ظلام الشرك والشك بعد أن بهرت{[22735]} أبصارهم أشعة التوحيد ؛ حسن إيلاؤه قوله سبحانه وتعالى - معللاً تعظيماً لأهل الإسلام ، وحثاً على لزوم هديهم ، وذما لمن نابذهم وتوعداً له ، إشارة إلى أن من خرق إجماع{[22736]} المسلمين صار حكمه حكم المشركين ، فكيف بمن نابذ المرسلين{[22737]} : { إن الله } أي الأحد المطلق فلا كفوء له { لا يغفر أن يشرك به } أي وقوع الشرك به ، من أي شخص كان ، وبأي شيء كان ، لأن من قدح في الملك استحق البوار والهلك ، وسارق الدرع أحق الناس بذلك { ويغفر ما{[22738]} } أي كل شيء هو { دون ذلك } أي الأمر الذي لم يدع للشناعة موضعاً - كما هو شأن من ألقى السلم ودخل في ربقة العبودية ، ثم غلبته الشهوة فقصر{[22739]} في بعض أنواع الخدمة . ثم دل{[22740]} على نفوذ أمره بقوله : { لمن يشاء } .

ولما كان التقدير : فإن من أشرك به فقد افترى إثماً مبيناً{[22741]} ، عطف عليه قوله : { ومن يشرك } أي يوقع هذا الفعل القذر جداً في أي وقت كان من ماض أو حال أو استقبال مداوماً على تجديده { بالله } أي الملك الذي لا نزاع في تفرده بالعظمه لأنه لا خفاء في ذلك عند أحد { فقد ضل } أي ذهب عن السنن الموصل { ضلالاً بعيداً * } لا تمكن سلامة مرتكبه ، وطوزى مقدمة الافتراء الذي هو تعمد الكذب ، وذكر مقدمة الضلال ، لأن معظم السياق للعرب أهل الأوثان والجهل فيهم فاش ، بخلاف ما مضى لأهل الكتاب فإن كفرهم عن علم فهو تعمد للكذب .


[22735]:في ظ: بهزت ـ كذا.
[22736]:في ظ: الإجماع.
[22737]:من ظ ومد، وفي الأصل: المشركين.
[22738]:تأخر في الأصل عن "شيء هو" والترتيب من ظ ومد.
[22739]:من مد، وفي الأصل وظ: فقصير.
[22740]:في ظ: أدل.
[22741]:من ظ ومد، وفي الأصل: عظيما.