وقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } الآية . في الآية دليل ألا يصير ( الإنسان ){[6529]} بكل ذنب مشركا على ما قاله الخوارج لما قسم الكتاب . ولا يحتمل إضمار التوبة لأن الشرك قد يغفر بالتوبة ، فبطل قولهم . وفيه بطلان قول من يبطل المغفرة في الكبائر بلا توبة لأن الله تعالى جعل لنفسه مشيئة المغفرة ، وذلك في ما في الحكمة وقع سفه ، فلزم الذي ذكرنا الفريقين جميعا .
ثم الذي ينقض قول الخوارج الذين {[6530]} يكفرون بارتكاب الصغائر ما بلي بها الأنبياء والأولياء ، وما بكفر صاحبها{[6531]} تسقط النبوة والولاية . ومن كان وصف إيمانه بالأنبياء ، عليهم السلام هذا فهو {[6532]} كافر بهم .
وعلى المعتزلة في ذلك أن الله وصف الأنبياء عليهم السلام ، بالدعاء له { تضرعا وخيفة } ( الأعراف : 205 ) و{ خوفا وطعما } ( السجدة : 16 ) وبكائهم على ما كان منهم من الزلات وتضرعهم إليه حتى أجيبوا في دعائهم . ( ولو لم ){[6533]} تكن ذنوبهم بحيث تحتمل التعذيب عليها في الحكمة لكان في ذلك تعدي الحد والوصف بالجور والتعوذ به ، وذلك أعظم من الزلات . فهذا ينقض قول المعتزلة في إثبات المغفرة في الصغائر وإخراج فعل التعذيب عن الحكمة ، وقول الخوارج بإزالة اسم الإيمان بها . ولا عصمة إلا بالله .
ثم قوله تعالى : { لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يحتمل( وجهين :
أحدهما ){[6534]} الشرك في الاعتقاد ، وهو أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته .
والثاني : أن يشرك غيره في عبادته ، وذلك كله شرك بالله تعالى ؛ إذ لا فرق بين أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته وبين أن يشرك غيره في عبادته . ألا ترى أنه قال عز وجل : { أنما إلاهكم إله واحد } ( الكهف : 110 ) ، ثم قال الله تعالى في آخره : { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) جعل الإشراك في الألوهية والربوبية والإشراك في العبادة واحدا ، كله شرك بالله ؟ وبالله التوفيق .
ثم قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } لا يحتمل ( ما ){[6535]} قالت المعتزلة ، إنه عود المغفرة في ما يشاء ، ثم بن ذلك في الصغائر بقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } ( النساء : 31 ) وقد ثبت الوعيد في الكبائر ، ونفي{[6536]} الوعد بحقه لم يزل بالذي ذكر لاحتماله .
وقيل : قوله{ لمن يشاء } كناية عن الأنفس المغفورات في الآثام والأجرام التي تغفر ، لم يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكني بها عن الأنفس لأنه لم يقل : ما شاء ، ولكن قال عز وجل : { لمن يشاء } فذلك كناية عن الأنفس . وفي آيات الوعيد تخصيص{[6537]} في الذين جاء بهم . وفي ما جاء على ما قيل لا صرف في ذلك ، فهو أولى . وبعد فإنه قال : { لمن يشاء } والصغائر عندهم مغفرة بالحكمة لا بالوعد ، والآية في التعريف ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.