تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

الآية 116

وقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } الآية . في الآية دليل ألا يصير ( الإنسان ){[6529]} بكل ذنب مشركا على ما قاله الخوارج لما قسم الكتاب . ولا يحتمل إضمار التوبة لأن الشرك قد يغفر بالتوبة ، فبطل قولهم . وفيه بطلان قول من يبطل المغفرة في الكبائر بلا توبة لأن الله تعالى جعل لنفسه مشيئة المغفرة ، وذلك في ما في الحكمة وقع سفه ، فلزم الذي ذكرنا الفريقين جميعا .

ثم الذي ينقض قول الخوارج الذين {[6530]} يكفرون بارتكاب الصغائر ما بلي بها الأنبياء والأولياء ، وما بكفر صاحبها{[6531]} تسقط النبوة والولاية . ومن كان وصف إيمانه بالأنبياء ، عليهم السلام هذا فهو {[6532]} كافر بهم .

وعلى المعتزلة في ذلك أن الله وصف الأنبياء عليهم السلام ، بالدعاء له { تضرعا وخيفة } ( الأعراف : 205 ) و{ خوفا وطعما } ( السجدة : 16 ) وبكائهم على ما كان منهم من الزلات وتضرعهم إليه حتى أجيبوا في دعائهم . ( ولو لم ){[6533]} تكن ذنوبهم بحيث تحتمل التعذيب عليها في الحكمة لكان في ذلك تعدي الحد والوصف بالجور والتعوذ به ، وذلك أعظم من الزلات . فهذا ينقض قول المعتزلة في إثبات المغفرة في الصغائر وإخراج فعل التعذيب عن الحكمة ، وقول الخوارج بإزالة اسم الإيمان بها . ولا عصمة إلا بالله .

ثم قوله تعالى : { لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يحتمل( وجهين :

أحدهما ){[6534]} الشرك في الاعتقاد ، وهو أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته .

والثاني : أن يشرك غيره في عبادته ، وذلك كله شرك بالله تعالى ؛ إذ لا فرق بين أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته وبين أن يشرك غيره في عبادته . ألا ترى أنه قال عز وجل : { أنما إلاهكم إله واحد } ( الكهف : 110 ) ، ثم قال الله تعالى في آخره : { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) جعل الإشراك في الألوهية والربوبية والإشراك في العبادة واحدا ، كله شرك بالله ؟ وبالله التوفيق .

ثم قوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } لا يحتمل ( ما ){[6535]} قالت المعتزلة ، إنه عود المغفرة في ما يشاء ، ثم بن ذلك في الصغائر بقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } ( النساء : 31 ) وقد ثبت الوعيد في الكبائر ، ونفي{[6536]} الوعد بحقه لم يزل بالذي ذكر لاحتماله .

وقيل : قوله{ لمن يشاء } كناية عن الأنفس المغفورات في الآثام والأجرام التي تغفر ، لم يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكني بها عن الأنفس لأنه لم يقل : ما شاء ، ولكن قال عز وجل : { لمن يشاء } فذلك كناية عن الأنفس . وفي آيات الوعيد تخصيص{[6537]} في الذين جاء بهم . وفي ما جاء على ما قيل لا صرف في ذلك ، فهو أولى . وبعد فإنه قال : { لمن يشاء } والصغائر عندهم مغفرة بالحكمة لا بالوعد ، والآية في التعريف ، والله أعلم .


[6529]:ساقطة من الأصل وم.
[6530]:في الأصل وم: الذي.
[6531]:في الأصل وم: صاحبه.
[6532]:أدرج في الأصل وم بعدها: على.
[6533]:في الأصل وم: ولم.
[6534]:ساقطة من الأصل وم.
[6535]:من م، ساقطة من الأصل.
[6536]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[6537]:في الأصل وم: تحقيق.