فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } عدل المولى سبحانه أن يفرق بين مَن آمن ومَن كفر ، فالله بريء من المشركين ورسوله ، ولم يأذن- تقدست أسماؤه- أن يُطلب لمشرك غفران : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين . . ) ( {[1530]} ) ؛ وربنا لا يهدي من هو كاذب كفار ؛ وعقبى الكافرين النار ، { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا . إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا . . } ( . . إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) ( {[1531]} ) ، والشرك هو الظلم العظيم ؛ وخص هذا الموضع به ليكون كالتكميل لقصة من سبق ، بذكر الوعد بعد ذكر الوعيد في ضمن الآيات السابقة( {[1532]} ) فلا يضر بُعدُ العهد ، أو لأن للآية سببا آخر في النزول ، فقد أخرج الثعلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن شيخا من العرب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني أشرك بالله تعالى منذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جراءة وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله تعالى هربا وإني لنادم تائب ، فما ترى حالي عند الله تعالى ؟ فنزلت ؛ { ومن يشرك بالله } شيئا من الشرك ، أو أحدا من الخلق ، وفي معنى الشرك به تعالى نفي الصانع ، ولا يبعد أن يكون من أفراده { فقد ضل ضلالا بعيدا } عن الحق ، أو عن الوقوع ممن له أدنى عقل ، وإنما جعل الجزاء على ما قيل هنا : { فقد ضل } . . وفيما تقدم : { فقد افترى إثما عظيما } لما أن تلك كانت في أهل الكتاب وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباع شريعته وما يدعو إليه من الإيمان بالله تعالى ومع ذلك أشركوا وكفروا فصار ذلك افتراء واختلافا وجراءة عظيمة على الله تعالى ، وهذه الآية كانت في أناس لم يعلموا كتابا ولا عرفوا من قبل وحيا ولم يأتهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، فأشركوا بالله عز وجل وكفروا وضلوا مع وضوح الحجة وسطوع البرهان ، فكان ضلالهم بعيدا ، ولذلك جاء بعد تلك : { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } وقوله سبحانه : { أنظر كيف يفترون على الله الكذب } ، وجاء بعد هذه قوله تعالى : { إن يدعون من دونه إلا إناثا } .


[1530]:سورة التوبة. من الآية 113.
[1531]:سورة المائدة. من الآية 72.
[1532]:مبل نستطيع القول: إن الجملة الكريمة الأولى من هذه الآية فيها الوعيد الشديد لمن أشرك وكفرن فالله ورسوله بريئان منهما، والله لا يحب كل خوان كفور، وبعدها جاء الوعد للعصاة المنيبين المستغفرين، بأنهم أنابوا إلى تواب رحيم.