المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

وقوله { أثم إذا ما وقع } الآية ، عطف بقوله { ثم } جملة القول على ما تقدم ثم أدخل على الجميع ألف التقرير ، ومعنى الآية : إذا وقع العذاب وعاينتموه آمنتم به حينئذ ، وذلك غير نافعكم بل جوابكم الآن وقد كنتم تستعجلونه مكذبين به ، وقرأ طلحة بن مصرف «أثَم » بفتح الثاء ، وقال الطبري في قوله «ثُم » بضم الثاء ، معناه هنالك وقال : ليست «ثُم » هذه التي تأتي بمعنى العطف .

قال القاضي أبو محمد : والمعنى صحيح على أنها «ثم » المعروفة ولكن إطباقه على لفظ التنزيل هو كما قلنا ، وما ادعاه الطبري غير معروف و { الآن } أصله عند بعض النحاة آن فعل ماض دخلت عليه الألف واللام على حدها في قوله :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الحمار اليجدع {[6134]}

ولم يتعرف بذلك كل التعريف ولكنها لفظة مضمنة معنى حرف التعريف ولذلك بنيت على الفتح لتضمنها معنى الحرف ولوقوعها موقع المبهم لأن معناها هذا الوقت ، وقرأ الأعمش وأبو عمرو وعاصم والجمهور { الآن } بالمد والاستفهام على حد التوبيخ ، وكذلك { الآن وقد عصيت }{[6135]} وقرأها باستفهام بغير مد طلحة والأعرج .


[6134]:- وهذا أيضا جزء من بيت قاله ذو الخرق الطهوي، وقد ذكره صاحب اللسان مع بيت سابق عليه للاستشهاد على معنى (مُجدّع)، قال: "الجدع: القطع، وقيل: هو القطع البائن...يقال: جَدَعه يجدعه جدعا فهو جادع، وحمار مُجدّع: مقطوع الأذن، قال: أتاني كلام التغلبيّ بن ديسق ففي أي هذا ويله يتترّعُ؟ يقول الخنى، وأبغض العُجْم ناطقا إلى ربه صوت الحمار اليُجدّع أراد: الذي يُجدّع فأدخل اللام على الفعل المضارع لمضارعة اللام الذي، كما تقول: هو اليضربك، وهو من أبيات الكتاب". يريد: كتاب سيبويه، واليُجدّع: فعل مضارع مبني للمجهول، وقد قال أبو بكر بن السّرّاج: لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا، وهو من أقبح ضرورات الشعر، وأنكر ابن برّي أن يكون هذا البيت من أبيات الكتاب كما ذكر الجوهري وقال: وإنما هو في نوادر أبي زيد.
[6135]:- من الآية (91) من هذه السورة (يونس).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

عطفت جملة : { أثم إذا ما وقع } بحرف المهلة للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأن ( ثم ) في عطفها الجمل ، لأن إيمانهم بالعذاب الذي كانوا ينكرون وقوعه حين وقوعه بهم أغرب وأهم من استعجالهم به . وهمزة الاستفهام مقدمة من تأخير كما هو استعمالها مع حروف العطف المفيدة للتشريك . والتقدير : ثم أإذا ما وقع ، وليس المراد الاستفهام عن المهلة .

والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب ، وهذا الاستفهام مستعمل في الإنكار بمعنى التغليط وإفساد رأيهم ، فإنهم وعدوا بالإيمان عند نزول العذاب استهزاء منهم فوقع الجواب بمجاراة ظاهر حالهم وبيان أخطائهم ، أي أتؤمنون بالوعد عند وقوعه على طريقة الأسلوب الحكيم ، كقوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [ البقرة : 189 . ]

وكلمة { آلآن } استفهام إنكاري عن حصول إيمانهم عند حلول ما توعدهم ، فعبر عن وقت وقوعه باسم الزمان الحاضر وهو ( الآن ) حكاية للسانِ حالِ منكر عليهم في ذلك الوقت استحضر حال حلول الوعد كأنه حاضر في زمن التكلم ، وهذا الاستحضار من تخييل الحالة المستقبلة واقعة .

ولذلك يحسن أن نجعل ( آلآن ) استعارة مكنية بتشبيه الزمن المستقبل بزمن الحال ، ووجه الشبه الاستحضار . ورمز إلى المشبه به بذكر لفظ من روادفه ، وهو اسم الزمن الحاضر .

وجملة : { وقد كنتم به تستعجلون } ترشيح ، وإما تقدير قول في الكلام ، أي يقال لهم إذا آمنوا بعد نزول العذاب آلآن آمنتم ، كما ذهب إليه أكثر المفسرين . فذلك تقدير معنى لا تقدير نظم وإعراب لأن نظم هذا الكلام أدق من ذلك .

ومعنى : { تستعجلون } تكذبون ، فعبر عن التكذيب بالاستعجال حكايةً لحاصل قولهم { متى هذا الوعد } [ يونس : 48 ] الذي هو في صورة الاستعجال ، والمرادُ منه التكذيب .

وتقديم المجرور للاهتمام بالوعد الذي كذبوا به ، وللرعاية على الفاصلة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أثم إذا ما وقع} يعني قول القرآن،

{ءامنتم به ألآن} حين لم تنفعكم،

{وقد كنتم به} يعني بالعذاب، {تستعجلون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أهنالك إذا وقع عذاب الله بكم أيها المشركون "آمنتم به"، يقول: صدّقتم به في حال لا ينفعكم فيها التصديق، وقيل لكم حينئذ: "آلاَن "تصدّقون به، "وقد كنتم" قبل الآن "به تستعجلون"، وأنتم بنزوله مكذّبون فذوقوا الآن ما كنتم به تكذّبون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى: (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ) قيل: أي العذاب إذا نزل بكم آمنتم به الآن. يخبر عنهم أنهم إذا نزل بهم العذاب يؤمنون.

ثم يحتمل قوله: (آمنتم به) أي بالله وبرسوله كقوله: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين) [غافر: 84] ثم أخبر أن إيمانهم لا ينفعهم عند معاينتهم العذاب، وهو كقوله: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) [غافر: 85] وقوله: (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) [الأنعام: 158].

ويحتمل قوله: (آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ) أي بالعذاب لأنهم يكذبون رسول الله في ما يدعوهم بالعذاب، وهم يستعجلون به استهزاء وتكذيبا، فإذا نزل بهم آمنوا، أي صدقوا بذلك العذاب؛ يقول: (آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) استهزاء وتكذيبا أنه غير نازل بكم ذلك، والله أعلم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله: {أثم إذا ما وقع آمنتم به} فاعلم أن دخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في قوله: {أو أمن أهل القرى -أفأمن} وهو يفيد التقريع والتوبيخ، ثم أخبر تعالى أن ذلك الإيمان غير واقع لهم بل يعيرون ويوبخون، يقال: آلآن تؤمنون وترجون الانتفاع بالإيمان مع أنكم كنتم قبل ذلك به تستعجلون على سبيل السخرية والاستهزاء.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

...أيستعجل بالعذاب مجرموكم الذين هم أحق بالخوف منه بدلا من الإيمان الذي يدفعه عنهم وعنكم، ثم إذا وقع بالفعل آمنتم به إذ لا ينفع الإيمان، لأنه صار ضروريا بالمشاهدة والعيان لا تصديقا للرسول عليه السلام، وقيل لكم حينئذ من قبل الله تعالى تقريعا وتوبيخا {ءآلآنَ} آمنتم به اضطرارا {وقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} تكذيبا به واستكبارا؟...

والاستعجال يتضمن المالغة في التكذيب المقابل للإيمان، وسيأتي في هذه السورة إيمان فرعون عند إدراك الغرق إياه وأنه يقال له: {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس:91].

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطفت جملة: {أثم إذا ما وقع} بحرف المهلة للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأن (ثم) في عطفها الجمل، لأن إيمانهم بالعذاب الذي كانوا ينكرون وقوعه حين وقوعه بهم أغرب وأهم من استعجالهم به... والتقدير: ثم أإذا ما وقع، وليس المراد الاستفهام عن المهلة.

والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب، وهذا الاستفهام مستعمل في الإنكار بمعنى التغليط وإفساد رأيهم، فإنهم وعدوا بالإيمان عند نزول العذاب استهزاء منهم فوقع الجواب بمجاراة ظاهر حالهم وبيان أخطائهم، أي أتؤمنون بالوعد عند وقوعه على طريقة الأسلوب الحكيم، كقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189.]

وكلمة {آلآن} استفهام إنكاري عن حصول إيمانهم عند حلول ما توعدهم، فعبر عن وقت وقوعه باسم الزمان الحاضر وهو (الآن) حكاية للسانِ حالِ منكر عليهم في ذلك الوقت استحضر حال حلول الوعد كأنه حاضر في زمن التكلم، وهذا الاستحضار من تخييل الحالة المستقبلة واقعة...

وجملة: {وقد كنتم به تستعجلون} ترشيح، وإما تقدير قول في الكلام، أي يقال لهم إذا آمنوا بعد نزول العذاب آلآن آمنتم، كما ذهب إليه أكثر المفسرين. فذلك تقدير معنى لا تقدير نظم وإعراب لأن نظم هذا الكلام أدق من ذلك.

ومعنى: {تستعجلون} تكذبون، فعبر عن التكذيب بالاستعجال حكايةً لحاصل قولهم {متى هذا الوعد} [يونس: 48] الذي هو في صورة الاستعجال، والمرادُ منه التكذيب.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

فالاستفهام إنكاري توبيخي، والتوبيخ من نواح ثلاث: أولاها- من ناحية إنكارهم البعث. ثانيتهما- من ناحية تهكمهم على من ينذرهم. ثالثتها – أنهم لا يؤمنون إلا في الوقت الذي لا ينفع النفس إيمانها.