محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

وقوله تعالى :

[ 51 ] { أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون 51 } .

{ أثم إذا ما وقع آمنتم به } إنكار لإيمانهم بنزول العذاب بعد وقوعه حقيقة ، داخل مع ما قبله من إنكار استعجالهم به بعد إتيانه حكما ، تحت القول المأمور به . أي : أبعد ما وقع العذاب وحل بكم حقيقة آمنتم به حين لا ينفعكم الإيمان ؟ إنكارا لتأخيره إلى هذا الحد ، وإيذانا باستتباعه للندم والحسرة ، ليقلعوا عما هم عليه من العناد ، ويتوجهوا نحو التدارك قبل فوت الفوات أفاده أبو السعود .

وقوله تعالى : { الآن وقد كنتم به تستعجلون } على إرادة القول . أي : قيل لهم إذا آمنوا بعد معاينة العذاب { الآن آمنتم به } ؟ وذلك إنكارا للتأخير ، وتوبيخا عليه . وسر وضع { تستعجلون } موضع ( تكذبون ) الذي يقتضيه الظاهر ، الإشارة إلى أن المراد به الاستعجال السابق ، وهو التكذيب والاستهزاء ، استحضارا لمقالتهم فهو أبلغ من ( تكذبون ) .

وقيل : الاستعجال كناية عن التكذيب ، وفائدة هذه الحال استحضارها . هذا ما ذكروه ، ولا مانع من بقاء الاستعجال على حقيقته ، يدل عليه آية {[4741]} : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة . . . } الخ فهم مع تهكمهم رضوا بأن يعاينوا آية يعذبون بها ، لما في قلوبهم من مرض العناد العضال ، والجهل المصم المعمى ، ولذلك أجيبوا بأن العذاب هل فيه ما يستعجل منه . أي فمثل هذا الاستعجال لا يصدر ممن / له مسكة من عقل ، إذ لا يستعجل إلا ما يرجى خيره ، ثم أعلمهم بعدم فائدة إيمانهم وقتئذ ، وما يوبخون به ، إنكارا للتأخير والله أعلم .


[4741]:[8 / الأنفال / 32].