الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

قوله تعالى : { أَثُمَّ } : قد تقدَّم خلافُ الزمخشري للجمهور في ذلك ، حيث يقدِّر جملةً بين همزة الاستفهام وحرف العطف . و " ثمَّ " حرفُ عطف ، وقد قال الطبري ما لا يوافَق عليه فقال : " وأثُمَّ هذه بضمِّ الثاء ليست التي بمعنى العطف ، وإنما هي بمعنى هنالك " فإن كان قَصَدَ تفسير المعنى وهو بعيدٌ فقد أبهم في قوله ، لأن هذا المعنى لا يُعْرَفُ في " ثُمَّ " بضم الثاء ، إلا أنه قد قرأ طلحة بن مصرف " أثَمَّ " بفتح الثاء ، وحينئذ يَصِحُّ تفسيرها بمعنى هنالك .

قوله : { الآنَ } قد تقدَّم الكلام في " الآن " . وقرأ الجمهور " ألآن " بهمزة استفهام داخلة على " الآن " وقد تقدم مذاهب القراء في ذلك . و " الآن " نصبٌ بمضمر تقديره : الآن آمنتم . ودلَّ على هذا الفعلِ المقدرِ الفعلُ الذي تقدَّمه وهو قولُه : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ } . ولا يجوز أن يعملَ فيه " آمنتم " الظاهرُ ؛ لأنَّ ما قبلَ الاستفهام لا يَعْمل فيما بعده ، كما أنَّ ما بعدَه لا يعملُ فيما قبله لأنَّ له صدرَ الكلام ، وهذا الفعلُ المقدرُ ومعمولُه على إضمار قول أي : قِيل لهم إذ آمنوا بعد وقوعِ العذابِ : آمنتم الآن به .

والقراءةُ بالاستفهامِ هي قراءةُ العامة ، وقد عَرَفْتَ تخريجَها . وقرأ عيسى وطلحة " آمنتم به الآن " بوصل الهمزة من غيرِ استفهامٍ ، وعلى هذه القراءةِ ف " الآن " منصوبٌ ب " آمنتم " هذا الظاهر .

قولُه : { وَقَدْ كُنتُم } جملةٌ حاليةٌ . قال الزمخشري : { وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } يعني تُكَذِّبون ، لأنَّ استعجالَهم كان على جهةِ التكذيبِ والإِنكارِ " . قلت : فَجَعَله من باب الكناية لأنه دلالةٌ على الشيءِ بلازِمِه نحو " هو طويلُ النِّجاد " كَنَيْتَ به عن طولِ قامتِه ؛ لأنَّ طولَ نِجادِه لازمٌ لطول قامتِه وهو باب بليغ .