فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

ودخول الهمزة الاستفهامية في { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ } على ثم كدخولها على الواو والفاء ، وهي لإنكار إيمانهم ، حيث لا ينفع الإيمان ، وذلك بعد نزول العذاب ، وهو يتضمن معنى التهويل عليهم ، وتفظيع ما فعلوه في غير وقته ، مع تركهم له في وقته الذي يحصل به النفع والدفع ، وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به ، وجيء بكلمة ثم التي للتراخي ؛ دلالة على الاستبعاد . وجيء بإذا مع زيادة ما للتأكيد ؛ دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته ، ليكون في ذلك زيادة استجهال لهم ، والمعنى : أبعد ما وقع عذاب الله عليكم ، وحلّ بكم سخطه وانتقامه آمنتم ، حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئاً ، ولا يدفع عنكم ضرّاً .

وقيل إن هذه الجملة : ليست داخلة تحت القول المأمور به ، وأنها من قول الملائكة استهزاء بهم ، وإزراء عليهم . والأول : أولى . وقيل : إن ثم هاهنا ، هي بفتح الثاء ، فتكون ظرفية بمعنى هناك . والأوّل : أولى .

قوله : { الآن وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } قيل : هو استئناف بتقدير القول ، غير داخل تحت القول الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم ، أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب : آلآن آمنتم به وقد كنتم به تستعجلون : أي بالعذاب تكذيباً منكم واستهزاء ؛ لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والاستهزاء ، ويكون المقصود بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول : التوبيخ لهم ، والاستهزاء بهم ، والإزراء عليهم ، وجملة { وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } في محل نصب على الحال ، وقرئ : «آلآن » بحذف الهمزة التي بعد اللام ، وإلقاء حركتها على اللام .

/خ58