الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

قوله : { قل أرأيتم إن آتاكم عذابه بياتا أو نهارا } إلى قوله { تكسبون }{[31109]}[ 50-52 ] .

قوله : { منه المجرمون } الهاء : تعود على العذاب ، وقيل : على اسم الله عز وجل{[31110]} .

ويشهد لرجوعها على ( العذاب ) قوله : { ويستعجلونك بالعذاب }{[31111]} ، ويشهد لرجوعها على الله سبحانه قوله : { بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع }{[31112]} ، فإذا جعلتها عائدة على ( العذاب ) ، ( فما ) في موضع رفع بالابتداء ، وإذا جعلتها بمعنى ( الذي ) خبر ( ما ){[31113]} ويجوز أن تكون ( ما ) و( ذا ) شيئا واحدا في موضع رفع{[31114]} . والخبر في الجملة ، وإن جعلت ( الهاء ) تعود على اسم الله سبحانه وجعلت ( ما ) و( ذا ) اسما واحدا كانت ( ما ) في موضع نصب بمستعجل{[31115]} والمعنى : أي شيء يستعجل من الله المجرمون{[31116]} ، وإن جعلت ( ما ) اسما ، و( ذا ) بمعنى ( الذي ) كانت كالأولى{[31117]} : ابتداء وخبر{[31118]} .

وكون{[31119]} الهاء تعود على العذاب أحسن{[31120]} لقوله : { أثم إذا ما وقع آمنتم به }[ 51 ]{[31121]} .

والمعنى : قل لهم يا محمد : أرأيتم{[31122]} إن أتاكم هذا الذي تستعجلون به{[31123]} من العذاب ليلا أو نهارا ما يستعجل من نزول العذاب المجرمون ، وهم لا يقدرون على دفعه{[31124]} .

فمعنى الكلام : الإنكار عليهم لاستعجالهم بأمر ، لا يقدرون على دفعه إذا حل بهم . ثم قال تعالى : { أثم إذا ما وقع{[31125]} آمنتم به }[ 51 ] .

قال الطبري : ( أثم ) بمعنى ( هنالك ) إذا وقع{[31126]} العذاب بكم آمنتم بالله عز وجل . وليست عنده ، ثم{[31127]} التي للعطف{[31128]} ، وهو غلط منه{[31129]} . وإنما{[31130]} التي تكون بمعنى ( هنالك ) هي المفتوحة/ الثاء بمنزلة قوله : { وإذا رأيت ثم رأيت نعيما }{[31131]} . والتقدير عند غيره أنها ( ثم ) التي للعطف . وفي الكلام حذف . والتقدير : أتأمنون إذا نزل بكم العذاب ، فتؤمنون ثم يقال لكم : الآن آمنتم{[31132]} ، وقد كنتم تريدون استعجاله ، وحلوله بكم ، فلما عاينتم حلوله آمنتم حين لا ينفعكم{[31133]} الإيمان ، وهو مثل قوله : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده }[ 83 ] إلى قوله { بأسنا }[ 84 ]{[31134]} : أي : لم ينفعهم الإيمان عند معاينة العذاب . كذلك سنة الله عز وجل{[31135]} في الكافرين لا يقيلهم من كفرهم عند معاينتهم العذاب .

و( الآن ) عند الفراء أصلها : أوان{[31136]} ، ثم حذفت الهمزة الثانية منها ، وقلبت الواو ألفا ، ثم دخلت الألف{[31137]} واللام وبنيت على الفتح{[31138]} .

وقيل : أصلها ( الآن ) مثل ( حان ) ثم دخلتها الألف واللام ، وبقيت على فتحها مثل : ( قيل ، وقال ){[31139]} .

وقال الزجاج : لا يحسن هذا القول ، لأنه لو كان كذلك لم تدخل{[31140]} عليه الألف واللام{[31141]} ، كما لا تدخل على ( قيل ) .

وقال سيبويه : سبيل الألف واللام أن يدخلا لمعهود{[31142]} ، و( الآن ) : ليس بمعهود ، وإنما معناه : ( نحن في هذا الوقت نفعل كذا ، فلما تضمنت هذا بنيت على الفتح ){[31143]} .


[31109]:ط: يكسبون.
[31110]:انظر هذا الإعراب في: معاني الزجاج 3/24، وإعراب النحاس 2/258.
[31111]:الحج: 47، والعنكبوت: 53.
[31112]:المعارج: 2 وفي النسختين معا: (بعذاب واقع من الله) وهو خطأ.
[31113]:كذا وردت في النسختين معا، ولعل ثمة سقطا.
[31114]:انظر هذا الإعراب في: إعراب مكي 1/384، وإعراب العكبري 1/172.
[31115]:ساقط من النسختين.
[31116]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/258، وإعراب مكي 1/384، وإعراب العكبري 1/677، والجامع 8/224.
[31117]:ق: كالأول.
[31118]:ط: وخبرا.
[31119]:ق: وتكون.
[31120]:ساقط من ق.
[31121]:انظر هذا التوجيه في: معاني الفراء 1/467، ومعاني الزجاج 3/24، وإعراب مكي 1/384.
[31122]:ط: أرأيتم. ق: آرأيت.
[31123]:ق: يستعجلون له.
[31124]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/101.
[31125]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[31126]:ط: مطموس.
[31127]:ط: فتم. ق: بثم.
[31128]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/101، واختاره ابن فارس في: الصاحبي 217.
[31129]:وهذا ما نقله ابن عطية في المحرر، رادا على الطبري في تفسيره للآية، حيث قال: (ما ادعاه الطبري غير معروف).
[31130]:ق: إنما.
[31131]:الإنسان: 20.
[31132]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/258.
[31133]:ق: تنفعكم.
[31134]:غافر الآيتان 83-84 وتمامها: (وكفرنا بما كنابه مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا).
[31135]:ساقط من ق.
[31136]:ق: وان.
[31137]:ساقط من ط.
[31138]:انظر هذا في: معاني الفراء 1/468، وإعراب النحاس 2/258.
[31139]:انظر هذا التوجيه في: معاني الفراء 1/468، وإعراب النحاس 2/258، وهذا الوجه من الإعراب يحبذه ابن فارس في الصاحبي 203، ويخطئون ابن سيدة في المحصص 14/85، لأن الألف واللام إن كانتا بمعنى (الذي) لم يجز دخولهما إلا لضرورة.
[31140]:ط: يدخل.
[31141]:انظر: معاني الزجاج 3/24.
[31142]:ق: لعهود.
[31143]:انظر (أل) للتعريف في: الكتاب 2/5 و 97 و3/242 و325 و4/226 وانظر بناء (الآن) على الفتح في الكتاب 2/400 و3/299. وانظر معاني الزجاج 3/24-25، وإعراب النحاس 2/258.