اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦٓۚ ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ} (51)

قوله : " أثُمَّ " قد تقدَّم خلافُ الزمخشري للجمهور في ذلك ، حيث يقدِّر جملة بين همزة الاستفهام ، وحرف العطف ، و " ثمَّ " : حرفُ عطف .

واعلم : أنَّ دخول حرف الاستفهام على " ثُمَّ " كدخوله على " الواوِ " و " الفاء " في قوله : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى } [ الأعراف : 98 ] ، { أفأمن أَهْلُ القرى } [ الأعراف : 97 ] وهو يفيد التَّقريع والتَّوبيخ ، وقال الطبري : " أثُمَّ " هذه بضمِّ الثاء ليست التي بمعنى : العطف ، وإنَّما هي بمعنى : " هنالك " وهذا لا يوافقُ عليه ؛ لأنَّ هذا المعنى لا يعرفُ في " ثُمَّ " بضم " الثاء " ، إلاَّ أنَّه قد قرأ طلحة{[18482]} بن مصرِّف : " أثَمَّ " بفتح الثاء ، وحينئذ يصحُّ تفسيرها بمعنى : هنالك .

قوله : " ألآن " قد تقدَّم الكلام في { الآن } [ البقرة : 72 ] ، وقرأ الجمهور : " ألآن " بهمزة الاستفهام داخله على " الآن " وقد تقدَّم مذاهبُ الفراء في ذلك ، و " الآن " نصب بمضمر تقديره : الآن آمنتم ، ودلَّ على هذا الفعل المقدَّر الفعلُ الذي تقدمهُ ، وهو قوله : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ } ولا يجوز أن يعمل فيه " آمنتُم " الظَّاهرُ ؛ لأنَّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده ، كما أنَّ ما بعده لا يعملُ فيما قبله ؛ لأنَّ له صدر الكلام ، وهذا الفعلُ المقدَّرُ ومعمولُه على إضمار قول ، أي : قيل لهم إذ آمنوا بعد وقوع العذابِ : آمنتُم الآن به ، وقرأ عيسى ، وطلحة : " آمنتم به الآن " بوصل الهمزة من غير استفهامٍ ، وعلى هذه القراءة ف " الآن " منصوبٌ ب " آمنتم " هذا الظَّاهر .

قوله : { وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } " وقَدْ كُنتُم " جملةٌ حاليةٌ ، قال الزمخشري : " وقد كُنتُم به تَستعجلُون ؛ يعني : تُكذِّبُونَ ؛ لأنَّ استعجالهم كان على جهةِ التَّكذيب ، والإنكار " .

فجعله من باب الكناية ؛ لأنَّه دلالةٌ على الشَّيء بلازمه ، نحو " هو طويلُ النَّجاد " كنيت به عن طُول قامته ؛ لأنَّ طولَ نجاده لازمٌ لطول قامته ، وهو باب بليغٌ .


[18482]:ينظر: المحرر الوجيز 3/124، البحر المحيط 5/166، الدر المصون 4/41، إتحاف فضلاء البشر 2/112.