فظاهر كلام الحوفي : أن أرأيتم باقية على موضوعها الأول لم تضمن معنى أخبروني ، وأنها بمعنى أعلمتم ، وأن جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين ، وأنه استفهام معناه التقرير ، ولم يبين الحوفي ما يفيد جواب الشرط المحذوف .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : بم يتعلق الاستفهام ؟ وأين جواب الشرط ؟ ( قلت ) : تعلق بأرأيتم ، لأن المعنى أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون ، وجواب الشرط محذوف : وهو تندموا على الاستعجال وتعرفوا الخطأ فيه انتهى .
وما قدره الزمخشري غير سائغ ، لأنه لا يقدر الجواب إلا مما تقدمه لفظاً أو تقديراً تقول : أنت ظالم إن فعلت ، فالتقدير إن فعلت فأنت ظالم .
وكذلك وإنا إن شاء الله لمهتدون التقدير : إن شاء الله نهتد .
فالذي يسوغ أن يقدر إنْ أتاكم عذابه فأخبروني ماذا يستعجل .
وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضاً والمعنى : إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ؟ انتهى .
أما تجويزه أن يكون ماذا جواباً للشرط فلا يصح ، لأنّ جواب الشرط إذا كان استفهاماً فلا بد فيه من الفاء ، تقول : إنْ زارنا فلان فأي رجل هو ، وإن زارنا فلان فأي يد له بذلك ، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة ، والمثال الذي ذكره وهو : إن أتيتك ماذا تطعمني ؟ هو من تمثيله ، لا من كلام العرب .
وأما قوله : ثم تتعلق الجملة بأرأيتم ، إن عني بالجملة ماذا يستعجل فلا يصح ذلك لأنه قد جعلها جواباً للشرط ، وإن عني بالجملة جملة الشرط فقد فسر هو أرأيتم بمعنى أخبرني ، وأخبرني تطلب متعلقاً مفعولاً ، ولا تقع جملة الشرط موقع مفعول أخبرني .
وأما تجويزه أن يكون أثم إذا ما وقع آمنتم به جواب الشرط ، وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراضاً فلا يصح أيضاً ، لما ذكرناه من أنّ جملة الاستفهام لا تقع جواباً للشرط إلا ومعها فاء الجواب .
وأيضاً فثم هنا وهي حرف عطف ، تعطف الجملة التي بعدها على ما قبلها ، فالجملة الاستفهامية معطوفة ، وإذا كانت معطوفة لم يصح أن تقع جواب شرط .
وأيضاً فأرأيتم بمعنى أخبرني تحتاج إلى مفعول ، ولا تقع جملة الشرط موقعه .
وتقدم الكلام في قوله : { بياتاً } في الأعراف مدلولاً وإعراباً .
والمعنى إن أتاكم عذابه وأنتم ساهون غافلون ، مما بنوم وإما باشتغال بالمعاش والكسب ، وهو نظير قوله : { بغتة } لأن العذاب إذا فاجأ من غير شعور به كان أشد وأصعب ، بخلاف أن يكون قد استعد له وتهيىء لحلوله ، وهذا كقوله تعالى : بياتاً وهم نائمون ضحى وهم يلعبون .
ويجوز في ماذا أن يكون ما مبتدأ وذا خبره ، وهو بمعنى الذي ، ويستعجل صلته ، وحذف الضمير العائد على الموصول التقدير أي : شيء يستعجله من العذاب المجرمون .
ويجوز في ماذا أن يكون كله مفعولاً كأنه قيل : أي شيء يستعجله من العذاب المجرمون .
وقد جوز بعضهم أن يكون ماذا كله مبتدأ ، وخبره الجملة بعده .
وضعفه أبو عليّ لخلوّ الجملة من ضمير يعود على المبتدأ .
والظاهر عود الضمير في منه على العذاب ، وبه يحصل الربط لجملة الاستفهام بمفعول أرأيتم المحذوف الذي هو مبتدأ في الأصل .
والمجرمون هم المخاطبون في قوله : أرأيتم إن أتاكم .
ونبه على الوصف الموجب لترك الاستعجال وهو الإجرام ، لأنّ من حق المجرم أنْ يخاف التعذيب على إجرامه ، ويهلك فزعاً من مجيئه وإن أبطأ ، فكيف يستعجله ؟ وثم حرف عطف وتقدمت همزة الاستفهام عليها كما تقدمت على الواو والفاء في : { أفلم يسيروا } وفي { أولم يسيروا } وتقدم الكلام على ذلك .
وخلاف الزمخشري للجماعة في دعواه أنّ بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة عطفت عليها الجملة التي بعد حرف العطف .
وقال الطبري في قوله : أثم بضم الثاء ، أنّ معناه أهنالك قال : وليست ثم هذه التي تأتي بمعنى العطف انتهى .
وما قاله الطبري من أنّ ثم هنا ليست للعطف دعوى ، وأما قوله : إن المعنى أهنالك ، فالذي يبنغي أن يكون ذلك تفسير معنى ، لا أنْ ثم المضمومة الثاء معناها معنى هنالك .
وقرأ طلحة بن مصرّف : أثم بفتح الثاء ، وهذا يناسبه تفسير الطبري أهنالك .
وقرأ الجمهور آلآن على الاستفهام بالمد ، وكذا آلآن وقد عصيت .
وقرأ طلحة والأعرج : بهمزة الاستفهام بغير مد ، وهو على إضمار القول أي : قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به ، فالناصب لقوله : الآن هو آمنتم به ، وهو محذوف .
وقيل : الله ، والاستفهام على طريق التوبيخ .
وفي كتاب اللوامح عيسى البصري وطلحة : آمنتم به الآن بوصل الهمزة من غير استفهام ، بل على الخبر ، فيكون نصبه على الظرف من آمنتم به المذكور .
وأما في العامة فنصبه بفعل مضمر يدل عليه آمنتم به المذكور ، لأن الاستفهام قد أخذ صدر الكلام ، فيمنع ما قبله أن يعمل فيما بعده انتهى .
قال الزمخشري : وقد كنتم به تستعجلون يعني تكذبون ، لأن استعجالكم كان على جهة التكذيب والإنكار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.