المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (281)

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( 281 )

وقوله تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } إلى آخر الآية ، وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان( {[2753]} ) ، و { يوماً } منصوب على المفعول لا على الظرف . وقرأ أبو عمرو بن العلاء «تَرجِعون » بفتح التاء وكسر الجيم ، وقرأ باقي السبعة «تُرجعَون » بضم التاء وفتح الجيم ، فمثل قراءة أبي عمرو { إن إلينا إيابهم }( {[2754]} ) [ الغاشية : 25 ] ومثل قراءة الجماعة { ثم ردوا إلى الله }( {[2755]} ) [ الأنعام : 62 ] { ولئن رددت إلى ربي }( {[2756]} ) [ الكهف : 36 ] المخاطبة في القراءتين بالتاء على جهة المبالغة في الوعظ والتحذير ، وقرأ الحسن «يرْجعون » بالياء على معنى يرجع جميع الناس .

قال ابن جني كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تتفطر له القلوب . فقال لهم : { واتقوا يوماً } ، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقاً بهم( {[2757]} ) ، وقرأ أبي بن كعب «يوماً تُردون » بضم التاء ، وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية ، وقال قوم هو يوم الموت ، والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية ، وفي قوله : { إلى الله } مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله وفصل قضائه ، وقوله { وهم } رد على معنى كل نفس لا على اللفظ إلا على قراءة الحسن «يرجعون » ، فقوله : { وهم } رد على ضمير الجماعة في «يرجعون » ، وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان . وهذا رد على الجبرية( {[2758]} ) .


[2753]:- فإنه عز وجل حذَّر فأعذر، ووعظ فأبلغ، واليوم: يوم القيامة، أي يوم اللقاء والجزاء والوفاء، وقال قوم: هو يوم الموت، والأول أقوى لقوله تعالى بعد ذلك: [ثم توفّى كل نفس ما كسبت].
[2754]:- الآية (25) من سورة الغاشية.
[2755]:- من الآية (62) من سورة الأنعام.
[2756]:- من الآية (36) من سورة الكهف.
[2757]:- يقول ابن جني هذا الكلام في توجيه قراءه الحسن، وهو توجيه حسن.
[2758]:- الجبرية طائفة لا تجعل للأعمال ارتباطا بالجزاء البتة، وتُجوِّز أن يعذب الله من أفنى عمره في طاعته، ويُنَعِّم من أفنى عمره في معصيته، وجوزت أن يرفع صاحب العمل القليل على من هو أعظم عملا منه وأكثر وأفضل درجات، والكل عندهم راجع إلى محض المشيئة من غير تعليل ولا سببية ولا حكمة تقتضي تخصيص هذا بالثواب وهذا بالعقاب، والصراط المستقيم الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب: أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب، ومقتضيات لهما كاقتضاء الأسباب لمسبباتها، وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله وهدايته، وأنها ليست ثمنا لجزائه وثوابه، بل غايتها – إذا أُحكمت – أن تكون شكرا لبعض نعمه، ولهذا نفى صلى الله عليه وسلم دخول الجنة بالعمل فقال: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته). وأثبت سبحانه دخول الجنة بالعمل كما في قوله تعالى: [ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون]، ولا تنافي بينهما، فالمنفي استحقاقها بمجرد الأعمال، وكونها ثمنا وعوضا للجنة، والمُثْبَت هو دخولها بفضله ورحمته وإن كانت الأعمال سببا يقتضي ذلك، والله أعلم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (281)

جيء بقوله : { واتقوا يوماً } تذييلاً لهاته الأحكام لأنّه صالح للترهيب من ارتكاب ما نهي عنه والترغيب في فعل ما أمر به أو ندب إليه ، لأن في ترك المنهيات سلامة من آثامها ، وفي فعل المطلوبات استكثاراً من ثوابها ، والكل يرجع إلى اتّقاء ذلك اليوم الذي تُطلب فيه السلامة وكثرة أسباب النجاح .

وفي « البخاري » عن ابن عباس أنّ هذه آخر آية نزلت . وعن ابن عباس هي آخر ما نزل فقال جبريل : « يا محمد ضعها على رأس ثمانين ومائتين من البقرة » . وهذا الذي عليه الجمهور ، قاله ابن عباس والسُّدي والضحاك وابن جريج وابن جبير ومقاتل . وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزولها واحداً وعشرين يوماً ، وقيل واحداً وثمانين ، وقيل سبعة أيام ، وقيل تسعة ، وقيل ثلاث ساعات . وقد قيل : إنّ آخر آية هي آية الكلالة ، وقيل غير ذلك ، وقد استقصى الأقوال صاحب الإتقان .

وقرأه الجمهور ترجعون بضم التاء وفتح الجيم ، وقرأ يعقوب بفتح التاء وكسر الجيم .