المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

وقوله عز وجل : { لئن نصروهم } معناه : ولئن حاولوا ذلك فإنهم ينهزمون ، ثم لا ينصر الله تعالى منهم أحداً ، وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله : { لا يخرجون } و : { لا ينصرونهم } لأنها راجعة على حكم القسم لا على حكم الشرط ، وفي هذا نظر{[11030]} .


[11030]:علق أبو حيان في البحر على ذلك فقال:"وأي نظر في هذا وقد جاء على القاعدة المتفق عليها من أنه إذا تقدم القَسَم على الشرط كان الجواب للقسم وحُذف جواب الشرط، وكان فعله بصيغة المُضي أو مجزوما بلم، وله شرط وهو ألا يتقدمه طالب خبر، واللام في [لئن] مُؤذنة بِقسم محذوف قبله فالجواب له".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (12)

{ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ } .

بيان لجملة { والله يشهد إنهم لكاذبون } [ الحشر : 11 ] .

واللام موطئة للقسم وهذا تأكيد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يضرّوه شيئاً لكيلا يعبأ بما بلغه من مقالتهم .

وضمير { أخرجوا } و { قوتلوا } عائدان إلى { الذين كفروا من أهل الكتاب } [ الحشر : 11 ] ، أي الذين لم يخرجوا ولما يقاتلوا وهم قريظة وخيبر ، أما بنو النضير فقد أُخْرِجُوا قبل نزول هذه السورة فهم غير معنيين بهذا الخبر المستقبل . والمعنى : لئن أخرج بقية اليهود في المستقبل لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا في المستقبل لا ينصرونهم . وقد سلك في هذا البيان طريق الإِطناب . فإن قوله : { والله يشهد إنهم لكاذبون } [ الحشر : 11 ] جمع ما في هاتين الجملتين فجاء بيانه بطريقة الإِطناب لزيادة تقرير كذبهم .

{ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الادبار ثُمَّ لاَ ينصرون } .

ارتقاء في تكذيبهم على ما وعدوا به إخوانهم ، والواو واو الحال وليست واو العطف .

وفعل نصروهم إرادة وقوع الفعل بقرينة قوله : { ليولن الأدبار ثم لا ينصرون } فيكون إطلاق الفعل على إرادته مثل قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية } [ المائدة : 6 ] وقوله : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [ النحل : 98 ] .

وقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } [ البقرة : 226 ] ، أي يريدون العود إلى ما امتنعوا منه بالإِيلاء . والمعنى : أنه لو فرض أنهم أرادوا نصرهم فإن أمثالهم لا يترقب منهم الثبات في الوغَى فلو أرادوا نصرهم وتجهّزوا معهم لفرّوا عند الكريهة وهذا كقوله تعالى : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم } [ التوبة : 47 ] .

ويجوز أن يكون أطلق النصر على الإِعانة بالرجال والعتاد وهو من معاني النصر .

و { ثمّ } في قوله : { ثم لا ينصرون } للتراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل فإن انتفاء النصر أعظم رتبة في تأييس أهل الكتاب من الانتفاع بإعانة المنافقين فهو أقوى من انهزام المنافقين إذا جاؤوا لإِعانة أهل الكتاب في القتال .

والنصر هنا بمعنى : الغلب .

وضمير { لا ينصرون } عائد إلى الذين كفروا من أهل الكتاب إذ الكلام جارٍ على وعد المنافقين بنصر أهل الكتاب .

والمقصود تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتأمينهم من بأس أعدائهم .